رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صراخ وحزن وأنين في أحد الشعانين


فى السنوات الأولى من عمرى وأنا طفلة صغيرة كنت ألهو فرحة مع بنات وأولاد جيراننا بسعف النخيل فى «أحد الزعف»، ونلهو معا بـ«فانوس رمضان» ونأكل معا كعك الأعياد، ولم نكن ندرى بعد الفرق بين عيد وعيد.



حينما تقع مصيبة تخص أسرتنا كنت أذهب مع أمى وأخى الصغير إلى جامع السيدة زينب،والتى تدعوها أمى بـ«أم العواجز الطاهرة» وتوقد شمعة وتضع بعض النقود فى صندوق النذور. وأذهب معها فى مساء نفس اليوم إلى الكنيسة القريبة من بيتنا وتوقد أمى شمعة للسيدة مريم العذراء.

المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة. تمتد يده يشترى لابنته وابنه السعف الذى سهرت الأيادى ترسمه وتغزله وتنسجه وتزينه بالورود فى أشكال مبهجة طوال الليل. يدخل الأب إلى الكنيسة ومعه ابنه وابنته فرحين يقفون فى الصفوف الأولى، تعلو أصوات التراتيل والترانيم والصلوات.

فجأة يدوى الانفجار بالمكان بيدى إرهابى خسيس جبان.. تتطاير الأشلاء وفى يدها السعف الأخضر مخضبا بلون الدم الأحمر فى صباح الأحد الدامى 9 أبريل 2017.. صحونا على الصراخ والعويل والصدمة والترويع.. تطايرت جثامين الشهداء أشلاء فى بيوت يذكر فيها اسم الله.

يُفجر الإرهابيون أنفسهم داخل وخارج الكنائس المصرية معتقدين- وفق أفكارهم المتطرفة والمتشددة والبعيدة عن سماحة أى دين وأى قيم وأى مبادئ سامية تحث على العدالة والرحمة والإيمان بالرسل والأنبياء والرسالات السماوية جميعاً، أفكار تعشش بأدمغتهم فى بيئة حاضنة للإرهاب، غالبا تكون بيئة الفقر والبطالة، بيئة تنمو فيها الأحزاب الدينية التى تحتضن بأفكارها المتطرفة الشباب وتدس فى عقولهم- أن الآخر من المسيحيين والعلمانيين الذين يقولون إن «الدين لله والوطن للجميع» هم كفرة ويحق إهدار دمائهم، ولهذا لا يجب تهنئتهم فى أعيادهم ولا يجب إطلاق اسم الشهداء على ضحاياهم.. هذا ما يفتى به كل يوم قادة وشيوخ حزب النور السلفى.

ورغم أن دستورنا الذى أقسم عليه اليمين رئيس الجمهورية والمحافظون والوزراء وأعضاء مجلس النواب ينص فى المادة 74 على «حظر قيام الأحزاب على أساس دينى أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو على أساس طائفى»، فإن هذه الأحزاب مازالت ترتع تحت بصر الحكومة.

والمادة 53 التى «تجرم التمييز بكافة أشكاله وتلزم الدولة بإنشاء مفوضية مستقلة للمواطنة وعدم التمييز»، فأين تطبيق الدستور؟ أين مفوضية عدم التمييز؟ أين العدالة الناجزة لردع هؤلاء الإرهابيين؟ هل تم إتمام محاكمة وتنفيذ الأحكام منذ حادثة كنيسة القديسين بالإسكندرية فى 31 ديسمبر 2010 حتى هذه اللحظة، مرورًا بمسلسل إشعال الوطن وحرق عشرات الكنائس بعد فض اعتصامى رابعة والنهضة فى 14 أغسطس 2013؟ هذا غير تفجير الكنيسة البطرسية فى 11 ديسمبر 2016 والذى أسفر عن عشرات الشهداء والمصابين؟ وتكتمل الكارثة المروعة فى 9 أبريل 2017 بالعملين الإرهابين الخسيسين فى كنيسة مارجرجس بطنطا وكنيسة مار مرقس بالإسكندرية واللذين أوديا بحياة 47 شهيدًا و126 مصابًا حتى كتابة هذه السطور.

إن الدم الزكى لشهداء الكنيسة يسيل على أرض الوطن ليلتقى بدماء الشهداء من الجنود الواقفين على الحدود من أجل أمن وأمان المصريين.. هذا الدم يصرخ ونصرخ معه ونقول: «إن القضاء على الإرهاب ليس فقط بالمواجهة الأمنية.. ولكنه بالمواجهة الفكرية».. وكذلك «مواجهة يقوم بها جميع أبناء الوطن وجميع الوزارات من تربية وتعليم وتعليم عال وإعلام ووزارة الثقافة والشباب والرياضة، ووزارة الأوقاف ووزارة العدل».

ونقول أيضا: «إن مواجهة الإرهاب تكون بالتنمية الإنتاجية للقضاء على الفقر والقضاء على العشوائيات مما يسهل القضاء على البيئة الحاضنة للإرهاب».. وأيضا «تنمية وتعمير المحافظات الحدودية».

أخيرًا.. نشدد على ضرورة «مواجهة الإرهاب بالثقافة والتنوير ومحاربة الفكر المتطرف وحل الأحزاب الدينية التى «تبخ» سمومها يوميًا فى قلب وعقل الوطن»..والسؤال: هل نأمل فى أن يقوم المجلس الأعلى لمواجهة الإرهاب المزمع إنشاؤه بتلك المهام على نحو شامل؟