رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المواطن المصرى.. عِيسٌ فى بيداء المحليات


على طريقة «ضربنى وبكى وسبقنى واشتكى» تأتى سلوكيات بعض المواطنين، الذين وجدوا أن الحكومة مأخوذة بالصراخ والصوت العالى الذى يتفنن البعض فى اتباعه، أسلوبا للتغطية على أخطائه، وأن من سبق بشكواه إلى وسائل الإعلام، امتطى صهوة الحق، حتى ولو كان هو المخطئ الوحيد، وما الحكومة إلا رد فعل، لأفعال وقعت من هذا المواطن أو ذاك، ضيعت حقا للدولة أو ماطلت فى دفعه، أو استولت على ما هو غير حق لهؤلاء المواطنين، وبكل أسف، يجد هؤلاء الأفاقون السارقون المضللون، فى بعض دكاكين الإعلام، من يشعلها لهم نارا، يُعمى بها الناس عن رؤية الحق، ويلصق بالدولة كل نقيصة.. ومع هذا تذهب الدولة إلى طريق الصبر على المواطن، ومحاولتها تحقيق التوازن بين واقع خاطئ فرضه هذا المواطن على الأرض وبين دواعى المصلحة العامة، على مبدأ لا ضرر ولا ضرار، لأن المواطن، فى النهاية، هو المُكون الأساسى للدولة، وما قامت الدولة إلا من أجل تنظيم حياته وتنسيق علاقاته بمن حوله.



كان ذلك خلاصة ما خرجت به يوما، من لقاء مع محافظ الجيزة السابق، الدكتور على عبدالرحمن، بعد دعوته لى، على فنجان قهوة، بديوان عام المحافظة، أطلعنى خلاله على شبكة مراقبة الشوارع بالكاميرات، لمتابعة الحالة الأمنية والسيولة المرورية، لحظة بلحظة.. كما حدثنى عن المشروعات التنموية، لخدمة المواطن الجيزاوى، المُطالب بأن يكون على قدر التحدى المطلوب، فى اللحظة الراهنة، التى تمر بها مصر، والذى يتلخص فقط فى ضرورة بذل هذا المواطن ما عليه من واجبات دون تأخير.. ولكنى الآن أتذكر الحديث بكافة تفاصيله، وأنا مازلت أرى الاستيلاء الكامل على الأراضى المجاورة لحرم السكك الحديدية، خاصة فى المنطقة الواقعة فوق ترعة الزمر، التى قام بعض المتنطعين بردمها، خلال فترة الانفلات، أعقاب أحداث يناير وما تلاها، وحولوا أرضها إلى مواقف للسيارات بالأجر، للأهالى الراغبين فى إيجاد موقف لسياراتهم، وقد قسموها فيما بينهم، وأوصلوا لها المياه من مصادرها العمومية، دون علم المحليات أو بعلمها، أشك فى عدم علم القائمين عليها، المهم أنها مياه بلا مقابل، يُساء استخدامها فى غسيل السيارات، ورشها على الأرض، تخلصا من الأتربة، وجلبا للهواء فى أيام الصيف، وكله جائز، ما دام الحساب على صاحب المحل، وهو الدولة، التى يرى مسئولوها، كيف تُسرق وصلات الكهرباء، بلا حساب أو عقاب، من هؤلاء، ومن غيرهم، من الباعة الجائلين، الذين افترشوا ما بقى من الأرض، وتوغلوا فى استهلاك التيار الكهربائى، للدرجة التى تُوجع قلب أى مواطن، وهو يرى سرقة مقدرات بلده، بينما يتحمل هو فواتير لا ترحم، مقابل الاستهلاك الضرورى لحياته.. الأمر الذى يطرح لدى البعض أسئلة جوهرية: لماذا ينعم السارق بما يسرقه، ويدفع أصحاب الضمائر ثمن أخلاقهم؟.. ولماذا يغيب الحساب والعقاب، والسرقات تحدث على عينك يا تاجر؟.. أليس فى ذلك إهدار لثروات الدولة، وإهدار لهيبتها، واستهانة بالقانون الذى يجب أن يُطبق على الجميع بلا استثناء؟.

أذكر أن المحافظ- وقتئذ- أهدانى نسخة من دراسة لمشروع «محور الملك عبدالله»، فى إشارة للملك عبدالله بن عبدالعزيز، ملك المملكة العربية السعودية، يرحمه الله، الذى سيقام على مسار ترعة الزمر، فى نفس مسار ما أشرت إليه، فى صدر هذا المقال، ويربط بين محورى المنيب وروض الفرج، بطول 15 كيلو مترا، وعرض يتراوح بين 35 و55 مترا، مستفيدا من مسار المجرى المائى للترعة التى لم تعد موجودة، بالإضافة إلى الطريق المحيط بالترعة، لخلق محور مرورى سريع، يعد شريانا يربط العديد من الكتل السكنية، فى المنيب، العمرانية، بولاق الدكرور، العجوزة، أرض اللواء، إمبابة، الوراق، أوسيم، وحتى روض الفرج، بعد أن شكلت الكثافة السكانية حول هذا المحور 95% من الأراضى المحيطة بالترعة، ولم يتبق سوى 5% منها للمناطق الزراعية.

يتكلف المحور الجديد، الذى يتكون من ثلاث إلى أربع حارات، فى كل اتجاه، بالإضافة إلى حارتين أو ثلاث، للخدمة الجانبية فى كل ناحية، حوالى 850 مليون جنيه، اعتمدها مجلس الوزراء، فى عهد المهندس إبراهيم محلب، مع موافقته على المشروع، الذى يستغرق إنشاؤه عامين كاملين، بعد أن توافق الهيئة الهندسية للقوات المسلحة على الاضطلاع بإنشائه، نظراً لضخامته، خاصة أنه يتضمن ثلاثة أنفاق وكوبريين علويين، ومطالع ومنازل لربطه بمحور 26 يوليو والطريق الدائرى، عند المنيب وبشتيل، بالإضافة إلى إنشاء مراكز للتسوق وجراج متعدد الطوابق، ووحدة ترخيص سيارات، وحدائق عامة، على جانبيه، لخدمة ثلاثة ملايين نسمة يعيشون حوله، ونصف المليون من زائرى المحافظة، يستخدمون مليونين ونصف المليون سيارة، ستسلك هذا المحور يوميا.

فإذا عرفنا أن استخدام المحور الجديد، بديلاً عن الطرق القديمة، سيوفر ما قيمته مائة مليون جنيه من استهلاك الوقود سنويا، كما أنه سيختصر زمن المسافة بين المنيب وروض الفرج إلى عشر دقائق فقط، بما يخفف الضغط على وسط المدينة.. وإذا تذكرنا ما كان عليه حال الترعة قديما، وتحولها إلى مقلب للزبالة ومخلفات الهدم، وتصريفات الصرف الصحى، وما عاناه المواطنون من تلوث ناتج عنها.. فنحن إذن إمام مشروع عملاق، يهدف، بالإضافة إلى كل ما سبق، إلى الحفاظ على الصحة العامة والشكل الحضارى للمناطق السكنية، ويرد الاعتبار الإنسانى للمواطن فى أحياء عانت طويلا من ويلات ترعة، كانت سببا فى الكثير من البلاوى.

ويبقى السؤال الأخير: متى يخرج هذا المشروع إلى النور، فيقلل الضغط المرورى على مناطق الجيزة والمهندسين والعجوزة والدقى وإمبابة، التى استحالت إلى بؤرة ضغط عصبى، على المارة والسائقين، من كثرة الزحام، وينتشل منطقة حيوية من أملاك الدولة، ممن سرقوها، واستفادوا من ورائها، دون أن تعود على الدولة فائدة تذكر، حتى ولو رسوما محددة، مقابل التقنين المؤقت لأوضاعهم، لحين البدء فى مشروع المحور، تستخدم المحافظة عوائده الشهرية، فى تنفيذ خدمات تعود على منطقة بولاق وأرض اللواء، بالذات، بما ينفع مواطنيها؟!.. حفظ الله مصر.. من كيد الكائدين.. آمين.