رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«زعتر النورى» مناضلًا


يظن أنه من «أهل القمة».. تمامًا مثل «زعتر» فى فيلم «أهل القمة» لـ«على بدرخان»، فقد جعلنا «زعتر» هذا الزمان نؤمن به.. فآمنا.

أوحى إلينا بأنه قبلتنا.. فجعلناه قبلة لنا.

طلب منا أن نوليه وجوهنا!! ففعلنا.

ثم تركنا فى منتصف الطريق.. ذاب وسط العدم محاطًا ومحتاطًا بهالة من ضباب مزيف يحسبه الحالم سحبًا ستمطر!!

حدث لنا ذلك عندما ضللنا الطريق.. وفقدنا بوصلتنا الحقيقية.

زعتر هذا الزمان ما هو إلا قاع عفن وحسبناه قمةً، وجعلناه قبلة.


«زعتر النورى» نموذج حى وصارخ لمناضل اليوم، فهو كسيب «محتال» وإن اختلفت طرق وأساليب الاحتيال.. فدومًا لديه المقدرة ويستطيع إلى الاحتيال سبيلاً.. بالمداراة تارةً ربما أو بالدخول فى اللغو تارةً أيضا ليلعثمنا فى غياهب اللاشىء وإن كان لابد وحتم عليه مسح الأجواخ فلا مانع أبدًا.. بدءا بنسج المديح وخلق المبررات حتى لعق الحذاء «حذاء السيد أو حتى حذاء السيدة» فقد تحدث هى سيدها عن النورى فتطاله الحسنات وينوبه من الود والإحسان جانب.. فلكل نورى طريقته الخاصة المبتكرة وفقا، بالطبع، للظروف والمعطيات، ووفقًا للمتاح فى اللحظة الحاسمة وما تفرضه من متطلبات.

كان «النورى» يفرح كثيرًا بما يرمى إليه فى أسابيع ومواسم البقايا والفضل.. مواسم المن والإحسان الموسمية غالبًا وكأنها موالد تعقد لتملأ بطون المتلهف الملتاع ذى اللهفة.. المشتاق وبه لوعة كبيرة.

فقد اعتاد «زعتر» قبول المذلة والصبر عليها مصدرًا لنا أن ذلك من عزم الامور وأن تلك هى شيم المناضلين.. فانتظار ما يجىء وما قد لا يجىء هو عين المذلة، ورغم ذلك يصدر النورى لمن حوله وجه الوجيه الألمعى.. وجه العلامة الفطن.

فقد مارس «زعتر» الاحتيال والكذب على النفس أولا ثم الغير.

ويريد اليوم نقل تجربته للأجيال الآتية بوصفها مثالاً ونتاج خبرات السنين المتراكمة التى تستحق التباكى عليها الآن ومن ثم السعى لاستردادها ولو بالقوة!!

مارس زعتر كل أنواع اللهو والتهليب فى زمن التهريب والتهريج وسمى ما كان يفعله «أعمالاً» واسمى نفسه «رجل أعمال».

فالأعمال فى عهد النورى كانت هى «مهنة اللامهنة ومن لا مهنة لهم.. كانت الأعمال لعبتهم المسلية المربحة» فصارت الحثالة وأصبح الأنصاف والمبتسرون والنّور رجالا وأصحاب أعمال وإن عنوا أو قصدوا الأسحار فلهم ذلك، أما إن عنوا الأعمال بمفهومها العمودى فهم حقا كذبة.

لم يشيدوا مصانع.. ولم تكن لديهم عمالة حقيقية فقط جلسوا -دون استحقاق- على مكاتب لم تكن لهم وأصدروا أوامر وتعليمات لمستخدميهم ليفعلوا اللاشىء وظنوا بفضل ذلك أنهم شىء مهم يدير أشياء مهمة.

هذا «الزعتر» صار الآن عاطلًا شريدًا.. بعد أن تغيرت الأحوال فقرر أن يختار لنفسه عملاً جديدًا فصار مناضلًا.

عندما أصبح النضال فى ذاته مهنة العاطلين عن الأعمال والفعل، وانتهى زمن السحر والأونطة وبدأ الزمن الصعب ليطل علينا جميعا بملامحه القاسية على الجميع.

انتهى عصر الحذاقة والفهلوة وانتهاز الفرص وإن ظل الفساد يزاحمنا هنا وهناك.. أما الزعاترة فلم تعد لديهم مهن يتكسبون منها بعد أن منع عنهم ما كانوا يقتاتون منه وينسجون كذبهم ويدعون الأبهة ويصدرون الفخامة لناظريهم. اليوم هؤلاء هم قادة الرأى وزعماء السياسة يوجهون الرأى العام ويقودون جحافل العامة والشباب على المواقع والجروبات المختلفة ويسمون ذلك نضالا وعملا سياسيا.

«رجل الأبهة» الكاذب

له دوما أتباع ومريدون وجمهور يردد ما يقوله كالبغبغان ولا مانع أيضا من ترديد «العديد» وفرد مساحات من الولولة على الحال والمحال وما حل بنا وبزماننا بعد أن حرمنا من الأعمال التى يتيهون بها الآن ويتحدثون عن ماضيهم المجيد وثلاثة أرباعه كان تواطؤا مع الفساد الذى كان مقننا ممنهجا آنذاك.

اشتاق إليه الزعترى.. اشتاق للعسل الأسود المر بعد أن جفت الحلوق وجاعت الأيادى للغنايم والقروش المعدودة التى كانوا يفرحون بجنيها ووضعها فوق بعضها البعض لتكون ثروة عفنة لم يبذل فيها أى جهد.. جناها الزعاترة بالفهلوة وانتهاز الفرص التى مكنهم منها الفساد المستشرى آنذاك فجنوا أموالاً بلا مجهود ولا استحقاق ولا علم،

واعتادوا جنى الثروات بهذه الطريقة وصار الثراء السهل مشروعا وممتعا ولذيذا ساقوا له مختلف أنواع المبررات ورسخوا له ثقافة وشرعوا له شرائع وابتدعوا لهم فيه طرقا بل نسجوا فقها كاملا أضفوا له وعليه قداستهم فصار قدسيًا مقدسًا.

هكذا تربى هؤلاء واعتادوا وألفوا.. وعندما أصبح الآن الثراء السهل عصيا عليهم صار النورى الزعترى مناضلًا ضد النظام وضد المؤسسات يطلق الصيحات والبيانات ويفند الأسباب ويقدم الأسانيد ويعضد رأيه بلايكات المعجبين ونكزاتهم كى لا يضيع الأكاونت «أكاونت النضال الافتراضى» وله ساحات مخصصة وأوقات ذروة وأتباع عطشى لخبط اللايك قبل أن يقرأوا ما كتب وإن قرأوه يكون ذلك بدافع الاشتباك فى ساحات النضال الافتراضى للظهور وإظهار الرأى الزاعق الطنان المفرغ من المعطيات الواقعية الحقيقية ويالحلاوة المعركة إن كان فيها سيل من السباب أو الاستهزاء واستعراض عضلات السخرية والتنكيت والتبكيت والإباحة إن لزم الأمر.

هذا هو نضال اليوم لرجال الأمس الغابر ممن تقطعت بينهم وبين سبل التربح كل الخيوط والسبل وأصبح الكاش يأتى بشق الأنفس وبمجهود حقيقى لم يعتادوا ممارسته من قبل.

فلقد كانوا فقط شطارًا حاذقين يحدثون مختلف أنواع الضوضاء والجلبة دون جدارة

وباستسهال للنتائج واستعجال لها بدلاً من جنيها باقتدار وتروٍ.

زعتر النورى يعيش بيننا اليوم حرًا طليقًا فى فضاءات الإنترنت. يناضل فيها ويدعو المحاربين لسن سيوفهم وتوجيه سهامهم جالبة النجومية والأتباع المشغولين هم دوما بحصرهم فى رقم كبير يفاخرون به ويتباهون أمام الغير كعلامة جودة ودليل تفوق

النضال أصبح له زعاترته وصاروا هؤلاء هم أهل القمة الجدد، فقمم هذا الزمان ما هى إلا أقزام علينا أن نحترس من قدومها بإطلاق صيحة تحذير كبيرة تقول «احترسوا.. الأقزام قادمون».