رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نائب «البطريرك» للفنون القبطية


لاشك أن الفن القبطى هو الفن الأبرز والأهم، بل المتفرد فى تميزه فى أمر التقاء حضارات مصر عنده دون استثناء تأثير ثقافى لحضارة ما، وهو ليس مجرد همزة وصل بين ألوان ثقافات ومنتجات هذه الحضارات، لأنه وبيقين أثر فيها وتأثر بها، والسر فى استمرارية وجوده وتأثيره الانتماء لأصول إنسانية واجتماعية، فالفنون والآثار القبطية تتميز بانتسابها إلى الشعب، ولم يسجل التاريخ أن الفن القبطى قد وجد رعاية ودعما من الملوك والسلاطين، وعليه فهو بحق فن شعبى.


لقد كان للعمارة المصرية القديمة بالغ الأثر فى عمارة الكنائس المصرية، فتخطيط الكنيسة القبطية أساسه طراز البازلكا الممثل فى صحن الكنيسة وجناحيها، وينطبق ذلك على أقدم كنائس مصر التى ترجع إلى أواخر القرن الرابع، ويتكون هذا التخطيط من صحن مستطيل على كل من جانبيه جناح، ويفصل الصحن عن الجناحين صفان من الأعمدة، ويرتفع سقف الصحن عن سقفى الجناحين، وفى كل من الجدارين الكائنين فى المسافة بين سقفى الجناحين وسقف الصحن تُفتح شبابيك لإضاءة هذا الجزء من الكنيسة.

وتُعد الأيقونةــ وفق المراجع التاريخية ــ من أروع الآثار والإبداعات القبطية، و«أيقونة» باليونانية تعنى نموذجا أو صورة، وقد عبرت الأيقونات القبطية القديمة منذ القرون الأولى من الميلاد عن مدى عمق وروعة وبساطة التعبير الفنى وتألقه وكيف نجح فى توضيح وتوصيل المعنى اللاهوتى لقصة الأيقونة حتى للعامة الذين يعجزون عن قراءة اللغة المكتوبة، فكانوا يقرأون الأيقونة من خلال النظرة الأولى لها عند دخولهم كنائسهم. يُقال إن لوقا البشير، الفنان الطبيب، هو أول من رسم أيقونة السيدة العذراء وهى تحمل المسيح الطفل، ومنه توارثته الأجيال إلى الآن، وقد بدأ البطريرك «كيرلس الأول»، البطريرك الـ24، فى تعليق أولى الأيقونات فى المقر البابوى سنة 420 م ومنها انتشرت الأيقونات فى كل الكنائس وازدهرت فنون الأيقونات القبطية على مر العصور حتى الفترة من سنة 726م إلى سنة 842م وهى الفترة المعروفة بظهور جماعة «مقاومى الأيقونات».

وهى الفترة التى تم فيها حرق وتدمير معظم الأيقونات القبطية فى الأديرة والكنائس، ولكن بفضل بعض الآباء الكهنة والرهبان واحتفاظهم ببعض الأعمال الجميلة مخبأة بشكل أو آخر ظهرت فى دير الأنبا أنطونيوس وكنيسة أبو سيفين بأبى سرجة وبعض أعمال التنقيب فى سراديب قديمة فى منطقة مصر القديمة ومنذ عام 842م رجعت الأيقونات القبطية بكل قوة وإجلال تملأ كنائسنا وأديرتنا القبطية إلى وقتنا هذا، وتعبر الأيقونة القبطية عن إيحاءات باللون والرمز والمعنى اللاهوتى لتشمل من كل الجوانب إعطاءنا صورة واضحة عن موضوعها وقصتها ومغزاها الروحانى. عندما نتأمل الأيقونة لا نقف عند حدود جمال الفن أو عدمه ولكنها ترفع الفكر إلى ما وراء الألوان والمادة إلى شخص صاحبها وتمزجها معه بكل شعورنا لنعيش المعنى اللاهوتى ونتأثر به.

وعليه، أحزننى كثيرًا تصريح للفنان القبطى الرائع «إدوارد حبيب» الذى تنتشر أيقوناته المتفردة بالإبداع وجدارياته الرائعة فى عدد كبير من كنائسنا، كتب «كنت أعتقد أننى لن أشاهد أعمالاً فنية أكثر هبوطًا من أعمال الكنيسة التى تقع بمنطقة شيراتون مصر الجديدة التى تشهد جدرانها حالة زخم من الرسوم المنفذة بعشوائية ولا يضمها تكوين متكامل ومحكم».

ولكنها مجموعة من الرسوم الهابطة بالذوق وخيارات صاحبها اللونية لا تعتمد على خلفية أكاديمية أو تكوينات مدروسة ولكنها تشى بحالة تصور عليل لصاحبها الذى تصور أن حيلة الإبهار بالألوان وكثرة الألوان ذات الطابع الإعلانى كافية للضحك على المتلقى المسكين لها، والعمل كله يُعد من قبيل الدوشة الفوضوية أو ضوضاء لونية، بل هى بلغة السوق تندرج تحت تعبير «الغش التجارى»، إن صح التعبير والمقاربة، ولكننى فوجئت بالأمس القريب بأن هذا الهبوط الفنى وفساد الذوق قد طال الأركان التى تم تجديدها مؤخراً فى الكاتدرائية- بعد محو وإزالة بعض الأعمال الرائعه لفنانين كبار، فما الحكمة التى اقتضت ذلك؟!.

ويضيف «حبيب» «آبائى الكهنة و كل جماعة الإكليروس فى كنيستنا المصرية، انتبهوا قبل فوات الأوان وأرجو العمل على تشكيل لجنة من المعماريين والفنانين التشكيليين والمهتمين والدارسين للتراث لإعادة التقييم قبل فوات الأوان- وإعادة النظر فيما يتم من كوارث فنية!!».

ويشاركه الرأى، الفنان عادل نصيف صاحب أروع جداريات قبطية ضخمة فى مصر وعدد كبير من دول العالم، قال «إن ما نعيشه فى هذا الصدد حقيقة مرة ومدمرة للهوية القبطية داخل الكنائس.. انتشار ونسخ فنون غربية ووجود شخصيات واقعية تحت مسمى وخديعة أنها صور للقديسين، وتنسخ عن أصل ليس لنا فتبدو مسخًا، أو تبنى وتشجع وبإصرار أصحاب أعمال ضعيفة وساذجة تفتقد قيم الفن القبطى الأصيل من دسامة الألوان والفكر اللاهوتى فى التصميم واحترام قيم الجمال فى العمارة تحت مسمى فن قبطى، بل قل مسخ ملامح غير مصرية وغير معبرة أو جاذبة لعين المصلى على التشبه بالكنيسة المنتصرة من خلال الأيقونة.. لا لون موحيا مناسبا ومؤثرا، والرسم معيب والخامة سيئة.. تكلمنا وحذرنا وللأسف تحدث كوارث على أستار وجدران الكنيسة المصرية.. للأسف لا توجد رؤية عامة للتمسك بالفن القبطى وممارسته وتطويره، لأن المسئولين يعتقدون أن كل شىء محكوم بقرارهم الفوقى فقط، وللأسف نادرا أن تجد من يهتم بالهوية والخصوصية للكنيسة رغم وجود تجارب جيدة وقوية لمجموعة رائعة من الفنانين ولكن لم تجد دعما للاستمرار. مثل الفنان إيزاك فانوس!!».. وللموضوع بقية.. وعليه، أناشد قداسة البطريرك قبول فكرة تعيين نائب بطريركى لشئون التراث والفنون على الطريقة الكاثوليكية، ويتم اختياره من بين العلمانيين الفنانين المثقفين لتولى مهام ومسئوليات الكنيسة المجتمعية والثقافية والفنية.