رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إرادة الثورة.. إرادة النهضة!!


ماذا يقدم النظام الجديد لهذا الوطن؟.. كيف يقدم نفسه كرسول إصلاحى ثورى وهو يبدو راكداً فقيراً فى جميع تحركاته وأفكاره، الإصلاحى أو الثورى يبدو دائماً حاملاً لمشروع مغاير عما سبقه والإخوة الجدد يضعوننا فى مأزق تمنى العودة حتى إلى مستوى ما كان موجودًا سابقاً فهو على الأقل كان يحمل ملمحًا ما.

لم يدر بخيال أكثر المتشائمين منا وصول الحال بعد عامين من اندلاع ثورة 25يناير إلى ما وصلنا إليه من فوضى حقيقية وملموسة فى عدد كبير من الملفات المفصلية والمهمة، والأهم هو ارتباك الإرادة وتراجعها بشكل مخيف وانحرافها عن حلم التغيير الذى انفجرت الثورة من أجله وكانت الحل الواضح والصريح للطريق المسدود الذى وصل إليه الوطن، وتهل علينا هذه الأيام ذكراها ويبدو الطريق أمامنا أعقد وفيه العديد من السدود التى سحبت من الثورة وضوحها فى المطالبة بالحرية والعيش والعدالة الاجتماعية والكرامة التى تجسدت فى شعب ثار لتغيير نظام لم يلب طموحاته ولم يحقق له الحد الأدنى من المعيشة الكريمة.

من تصدى للعمل السياسى بعد إزاحة رأس النظام السابق كان يقدم نفسه للجماهير باعتباره ممثلاً لحلم التغيير وكان هذا هو الطرح الحتمى بلا شك وفق مقتضيات اللحظة.. واختلفت المسارات بين القوى السياسية بالطبع واختلفت معها المقاصد وكان هناك المجلس العسكرى قد استلم قيادة البلاد فى لحظتها الفارقة وفى نهاية جمهورية استنفدت صلاحيتها وقامت عليها ثورة نجحت وأطلقت لخيال شعبها أحلام تأسيس جمهوريته الثانية.. البديهى والمأمول كان أن تؤسس من حيث انتهت المرحلة المنقضية، ولم يظهر لنا حتى الآن لماذا دخل المجلس العسكرى فى هذه المسارات والمنحنيات المتعرجة فى إدارته لهذه البداية؟ وهل كانت ضغوط الداخل والخارج من القوه حتى نصل إلى هذه النتائج الوخيمة؟.. بالطبع يهمنا الآن من وصل بمساره إلى محطة التمكين ومن حقق من مقاصده الكثير وهم جماعة الإخوان المسلمين.. الذى يبدو من النظرة الأولى وكأن جميع الأحداث ومفردات المشهد السياسى قد تواطأت معاً من أجل وصولهم إلى هذه اللحظة النادرة، ولكن حقيقة الأحداث تأخذنا بعيداً عن تلك النظرة الأولية إلى مجموعة نادرة من الأخطاء المتشابكة ارتكبت من جميع الأطراف فى أفشل فترة انتقالية يمكن أن تمر بها ثورة واعدة كثورة يناير قدمت رؤيتها ومنهجها فى وضوح نادر ومجلس عسكرى أدار تلك الفترة بتجرد وإنكار ذات ظهر فى أوقات كثيرة كأنه أبعد من المطلوب.

تجاوز الجميع كل ذلك وانتظروا من الإخوان المسلمين بداية تنفيذ مشروع النهضه الذى تم الترويج له أثناء الحملات الانتخابية، وكان الواقع على الأرض يفرض بالفعل خطوات للنهضة أيًا كانت صيغة هذا المشروع .. فقياس الوضع فيما قبل 25يناير يكفيه أنه قامت عليه ثورة شعبية عامة تطالب بالتحديث، فخطوات طريق النهضة لازمة وفرض عين غير مؤجل ولا تخضع للتهويمات الانتخابية، لكن دائرة الحكم ظهرت أمام الجميع كالذى بدأ يفكر ويفكر ومازال يفكر والتراجع يسحبنا جميعاً للخلف بمعدلات مخيفة وتصير أوضاع ومستوى المرحلة الإنتقاليه التى وصفناها بالفاشلة هدفًا يصعب حتى الوصول إليه!!

الملف الاقتصادى أحد أهم الملفات التى يمكن القياس عليها فضلاً عن كونه مفتاحاً رئيسياً للتنمية لم يظهر منه حتى الآن سوى العشوائية الضاربة فى جميع أركانه.. فلا توجد قرارات إصلاحية تتبنى مسارات جديدة أو منهجًا يمكن مناقشته، هناك فقر فى التفكير عجز أن يضع أهدافًا مرحلية قصيرة الأمد وهدفًا بعيدًا يكون الوصول إليه نقلة إلى مستوى آخر.. تلك على أقل تقدير الخطوط العامة لإدارة ملف من هذا النوع، قابله للأسف الشديد حالة من الضبابية العميقة تصل بأى متابع إلى غموض ما سيحدث غداً وتضع المواطن فى معضلة مراقبة التراجع دون أن يملك سبيلاً لإيقافه أو تحسينه.. فهو لم يستمع إلا لوعود تدفق الاستثمارات الخارجية بأرقام خيالية ( 200مليار دولار) تدخله فى أجواء أحلام اليقظة التى ستحل له مشكلة الدخل المتدنى والمنكمش وستحمل لقطاع العاطلين العريض فرص العمل التى طال انتظارها، فيظل الواقع على الأرض إعادة إنتاج فقير لفكر ما قبل الثورة وحصر التنميه فيما هو قادم من الخارج على بساط الريح والذى عاصر الجميع فيه تكوين الثروات والخروج مرة أخرى إلى الخارج بسرعة الصاروخ ويبقى للتنمية الحقيقية منه النذر القليل، وحتى هذا النذر القليل كان النظام السابق يتحدث عن إنجازه فيه وفق معدل نمو سنوى استقر فى سنواته الأخيرة حول نسبة 7% مضاف إليها توفير فائض من النقد الأجنبى فى مستوياته الآمنة.. فى حالة النظام الجديد تلقى هذا الملف مجموعه من الضربات الموجعة بالتراجع الحاد والمتسارع للإحتياطى من النقد الأجنبى وصل إلى نسبة 65% أتبعه هبوط قيمة العملة المحلية ومواجهة ارتفاع أسعار حتمى لمجموعة ضخمة من سلع المواطن الأساسية يتم استيرادها من الخارج بشكل دورى، واستمرت الضربات السلبية فى جمود النظام والدوران فى حلقة التبريرات وتعليق الفشل على شماعة تركة النظام السابق، حتى بالنسبة إلى العوامل المهمة والمساعدة كالوضع السياسى والأمنى لم يقدم النظام فيهما شيئًا يساهم فى إنعاش المناخ الاقتصادى، فقد أشعل الموقف السياسى برمته بمجموعه من المواقف والإجراءات كرست حالة التأزم والاستقطاب وأدخلت المشهد إلى مربع الترصد المتوالى من كل الأطراف لكل الأطراف، وتركت الوضع الأمنى فى تراخٍ متعمد دون إجراءات إصلاحيه حقيقيه أو دعم للجهاز الأمنى يدفع بالحاله الأمنية لخلق مناخ جيد لإصلاح اقتصادى أو استثمار جديد يبحث دائماً عن وضع أمنى بعيد عن أى تهديد.

ماذا يقدم النظام الجديد لهذا الوطن؟.. كيف يقدم نفسه كرسول إصلاحى ثورى وهو يبدو راكداً فقيراً فى جميع تحركاته وأفكاره، الإصلاحى أو الثورى يبدو دائماً حاملاً لمشروع مغاير عما سبقه والإخوة الجدد يضعوننا فى مأزق تمنى العودة حتى إلى مستوى ما كان موجودًا سابقاً فهو على الأقل كان يحمل ملمحًا ما.. هل بالفعل السادة الجدد يحملون مشروعاً حقيقياً أم سيظلون أسرى العجز والارتباك أم أن الأمر يتجاوز ذلك؟!.. ويبقى أنهم يستهدفوننا فقط بشكل مباشر.

■ باحث فى العلوم السياسية

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.