رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مياه النيل.. أزمة تبحث عن حل «4-4»


فى الجزء الثالث من مقالنا تحدثنا عن موقف القانون الدولى من الاتفاقيات التى تنظم حصول مصر على حصتها من مياه النيل ودور إسرائيل فى الأزمة وفى هذا الجزء نستعرض تداعيات سد النهضة الجزء الأبرز فى الأزمة. بين مصر وإثيوبيا وأهمية النيل بالنسبة لمصر ورؤية للخروج من الأزمة. النيل شريان حياة مصر ولو – لاقدر الله – قطع هذا الشريان ستتحول مصر إلى صحراء جدباء، تنقل لنا صفحات التاريخ تأثير «النيل» على حياة المصريين فإذا جاء الفيضان مرتفعاً باعتدال عم الرخاء، وإذا جاء منخفضاً عمت الفوضى العارمة والمجاعات التى كانت تضرب مصر من وقت لآخر منذ أن استقر الإنسان المصرى على ضفافه بسبب انخفاض منسوب فيضان النيل، حدث ذلك أيضاً فى ظل «الإخشيديين» الذين حكموا مصر قبل قيام الدولة الفاطمية بها، استمرت المجاعة فى عهدهم لمدة تسع سنوات، مما أدى إلى سقوط الدولة الإخشيدية بسبب الاضطرابات الداخلية التى نتجت عن وقوع هذه المجاعة.

 

ووقعت فى عهد العادل الأيوبى الذى حكم مصر فيما بين ١١٩9م إلى 1218م «مجاعة كبرى» بسبب انخفاض منسوب فيضان النيل وروى أحداثها الرحالة «عبداللطيف البغدادى» فيقول «ودخلت سنة سبع مفترسة أسباب الحياة وقد يئس الناس من زيادة النيل وارتفعت الأسعار وأقحطت البلاد وأشعر أهلها البلاء وهرجوا من خوف الجوع وانضوى أهل السواد والريف إلى أمهات البلاد وانجلى كثير منهم إلى الشام والمغرب والحجاز واليمن وتفرقوا فى البلاد ومزقوا كل ممزق». بدأ التفكير فى إنشاء سد النهضة بمبادرة من رئيس الوزراء الإثيوبى الراحل «ميليس زيناوى» فى أبريل من عام 2010 – وإن كان أصل فكرة المشروع يرجع إلى الدراسات الأمريكية فى ستينيات القرن الماضى -، أطلق عليه فى البداية اسم المشروع «x»، عند طرح هذه الفكرة لاقت معارضة شديدة من قطاعات كبيرة داخل إثيوبيا لتكلفة بنائه المرتفعة، فضلاً عن أن إنشاءه سيفتح باب النزاع مع مصر. ورغم المعارضة الداخلية فى البداية فإن العمل بدأ فى مشروع السد فى 2 أبريل من عام 2011. ويهدف مشروع السد إلى تخزين نحو 74 مليار متر مكعب سنوياً، بالإضافة إلى توليد كميات من الطاقة الكهرومائية تقدر بنحو 6000 ميجاوات سنوياً، تقدر التكلفة الإجمالية لإنشاء السد بنحو 4٫8 مليار دولار.. ومن المتوقع وطبقاً لمستوى الإنشاءات فى مشروع السد أن ينتهى العمل فيه قبل نهاية العام الجارى، نحن إذن أمام مشكلة حقيقية.. ولكن أين المخرج؟!.. «التعاون» هو مفتاح حل أزمة مياه النيل، بدونه لن تهنأ أى من دول حوض النيل بقطرة واحدة من مياه النهر الخالد. وآفاق التعاون بين دول حوض النيل رحبة وتسع الجميع ومنها وقف إهدار المياه فى دول حوض النيل والتى تقدر بنحو 70 مليار متر مكعب سنوياً تذهب دون استفادة بسبب التبخر وفى المستنقعات، ذلك من خلال مشروعات تشترك فيها كل دول الحوض وفى القلب منها مشروع «قناة جونجلى» المعطل الذى لو تم تنفيذه سينتج عنه فى مرحلته الأولى فقط نحو 25 مليون متر مكعب يومياً، لترتفع هذه الكميات فى مرحلته الثانية لتصل إلى نحو 55 مليون متر مكعب، يمكن تقسيمها بالتساوى بين مصر والسودان وجنوب السودان، هذه الكميات للأسف تضيع هباءًً فى جنوب السودان يومياً بسبب التبخر والمستنقعات. ومن ناحية أخرى يجب على مصر وبصفة خاصة حكومتها أن تهتم بدول المنابع.. ولاينبغى أن يكون هذا الاهتمام شكلياً أو موسمياً ينتهى مع انتهاء الغرض منه كصرعة «الدبلوماسية الشعبية» التى هبت فجأة واختفت فجأة!!