رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

افتتاح لا يليق بالمتحف الإسلامي


أقدر تمامًا الإجراءات الأمنية المشددة التى لا يتحرك الرئيس عبدالفتاح السيسى إلا بها، وأعرف أن جدوله المزدحم كان سببًا فى أن يأخذ قرار المشاركة فى افتتاح المتحف الإسلامى ربما فى الساعات الأخيرة قبل أن يشارك فى إعلان ترميمه بشكل كامل للعالم كله، لكن ذلك كله لا يمنع أن افتتاح هذا الصرح الكبير لا يليق به على الإطلاق.

فوجئنا بالخبر صباح أمس الأربعاء ١٨ يناير، لم يكن أحد يعرف عنه شيئًا، لم يتم التمهيد له، ولا الإعلان عنه بفترة كافية، وفوجئنا بأن الحاضرين للافتتاح مجموعة صغيرة جدًا على رأسهما الرئيس ومسئولين حكوميون وممثلو الدول التى شاركت فى ترميم المتحف، بالإضافة إلى ممثلين عن منظمة اليونسكو.
لقد ضاعت علينا فرصة كبيرة فى التأكيد للعالم كله أن مصر أكبر من الإرهاب، وأنه كلما حاول أن يكسرنا انتصرنا عليه.
تخريب المتحف الإسلامى جاء بعملية إرهابية استهدفت مديرية أمن القاهرة فى يناير ٢٠١٤، ومن وقتها والعمل لا ينقطع لإعادة بهائه ورونقه، وكان يجب أن يشهد العالم كله على الإرادة المصرية فى بناء ما هدمه الإرهاب.
أعرف أن أوان هذا الكلام فات تمامًا، لكن لا حرج علينا من إثباته هنا للتاريخ، فالمعركة مع الإرهاب لا تزال طويلة وممتدة، وكلما أراد تخريبًا قاومناه بالبناء.
كان من المفروض أن يتم افتتاح المتحف الإسلامى فى احتفالية كبرى، يدعى لها ملوك ورؤساء وأمراء الدول الإسلامية، ولو احتج علينا البعض بأن الإجراءات الأمنية فى هذه الحالة تكون صعبة وعسيرة ومرهقة فى ظل تربُّص كامل من قوى الإرهاب بكل ما نقوم به، سأرد بأن احتفال المتحف كان يمكن أن يتم فى دار الأوبرا، ويعلن الرئيس افتتاحه عبر الفيديو كونفرانس.
كان على العالم أن يستمع من قادة العالم الإسلامى إلى كلمات واضحة ضد الإرهاب، كان عليه أن يرى بعينيه أن الجميع مجتمعون هنا ليقولوا لا للإرهاب ولكل ما يمثله فى العالم الذى يسعى إلى الحياة فى أمان واستقرار.
لا نفرض على الرئيس هنا ما يجب أن يفعله، لكننا نشير إلى صورة أفضل كان يمكن أن يخرج بها افتتاح المتحف الإسلامى، الذى هو فعليًا ليس ملكًا لمصر وحدها، لكنه ملك للعالم، ثم إننا لم نتمكن من تغطية تليق بالحدث، فعنصر المفاجأة جعلنا نتابع الحدث خبريًا فقط، وكان يمكن التنسيق مع الصحف والفضائيات لإنجاز تحقيقات وتقارير مصورة عن المتحف، ليعرف المصريون ومن ورائهم العالم قيمة وحجم الإنجاز الذى جرى على الأرض.
لقد علَّمتنا التجارب أن الفرص التى تضيع لا تعود مرة أخرى، لكن التجارب نفسها علمتنا أن نعيد التفكير فيما هو آت، وتجربة افتتاح المتحف الإسلامى بهذه الطريقة المفاجئة والمتسرعة تشير إلى أننا يجب أن نمنح ما ننكره على الأرض حجمه كاملًا، دون أى انتقاص من حقنا ولا جهدنا، وأعتقد أنه لا أحد يمكنه أن يختلف معنا على ذلك.
الآن ما جرى قد جرى، علينا فقط أن نتدارك الأمر، اجعلوا من المتحف الإسلامى قبلة لطلاب المدارس والجامعات، روجوا له فى كل دول العالم، نظموا رحلات لشخصيات دولية لزيارته، اجعلوهم يتحدثون للعالم من أرضه التى انتصرت على الإرهاب، فعسى أن نتدارك بعض ما فات.