رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دولة الإخوان الاقتصادية


سؤال مهم: هل جماعة الإخوان مؤسسة اقتصادية جعلت من الإسلام ستارا لها؟ أم أنها جماعة إسلامية جعلت من الاقتصاد وسيلة لها؟. وإذا كان السؤال السابق قد تم طرحه منذ سنوات إلا أنه للأسف الشديد لم يجد إجابة وافية صافية حيث ظل معلقا فى سقف الحياة السياسية

دون أن يرصد خباياه أحد أو يتوغل فى أعماقه باحث، وإذا كان من حظى أن عشت فى أروقة جماعة الإخوان سنوات وسنوات، وعايشت أحداثها عن كثب، وتداخلت مع أحزانها وأفراحها وكأنها قطعة منى وكأننى قطعة منها، فقد بات من لزوميات «الشفافية» التى افتقدتها جماعة الإخوان لسنوات، أن نفتح «كشف حسابات الإخوان وأرصدتهم المالية» إذ من حق كل أخ دخل الجماعة وانضم على محافلها أن يعلم مسار الأموال التى دفعها كاشتراكات شهرية أو تبرعات أو صدقات أو زكاة.. ليس هذا الحق للإخوان فقط بل من حق الكل ـ إخوان أو غير إخوان ـ أن ينظر لتلك الجماعة عن بصر وبصيرة .. هكذا هو الإسلام وهكذا هى الشفافية.

أظن من حقنا أن نعرف طريقة تفكيرهم الاقتصادية خاصة ونحن نعانى فى ظل حكمهم من أزمة اقتصادية خانقة، من حقنا أن نراقب الجماعة فى طريقتها لإدارة مالها، الذى تحجبه عن العالم كله، ويجب علينا أن نعرف تلك العقلية الاقتصادية التى تدير اقتصاد مصر إذ إن إدارة أموال جماعة تختلف قطعا عن طريقة إدارة اقتصاد دولة، ورغما عنا يجب أن نتحدث بلغة الأرقام، فالمقال الذى يتحدث عن المال يجب أن يقوم على الحقائق، وحقائق الأموال هى الأرقام.

وأول ما يطرح نفسه هو ما هى مصادر ميزانية جماعة الإخوان؟ يقول قادة الإخوان فى كل المناسبات : إن أموال الإخوان من جيوبهم.. وهذا الطرح صحيح إلى حد ما، فاللائحة تلزم كل أخ بسداد اشتراك شهرى يدفعه قربى لله وعبادة له يرفع بها شأن جماعته التى تسعى إلى «تطبيق الإسلام» واستعادة «أستاذية العالم»، كما أن الأخ يقوم طواعية بسداد زكاة المال لجماعته لتصريفها فى الوجه الشرعى الذى تراه الجماعة.. وإذا كانت جماعة الإخوان ما زالت تخفى «حجم ميزانيتها وتطور العضوية فيها» حتى إن معظم بل غالبية أفراد الإخوان لا يعلمون شيئا عن أموالها فإننا سنضطر إلى الحديث بشكل تقريبى، ولكنه التقريب الذى هو أقرب ما يكون إلى الحقيقة.

تبلغ حجم اشتراكات أعضاء الجماعة ــ وهو البند الأول فى ميزانية الجماعة ــ ما يقرب من نصف مليار جنيه سنوياً، يدفعها 400 ألف عضو عامل منتظم وفقا لآخر إحصاء داخلى بالجماعة لسنة 2008.. وليس كل عضو بطبيعة الحال يسدد الاشتراك الشهرى إذ توجد ثلاث فئات إخوانية يتم إعفاؤها من سداد الاشتراكات، الفئة الأولى هى عضوات قسم الأخوات بالجماعة، إلا أنه ليس هناك ما يمنع من أن تقوم الأخت بسداد تبرعات اختيارية لدعم الأنشطة الإخوانية وهو الأمر الذى يحدث بشكل دائم ولكن لا يوجد حصر له ولا وسيلة علمية لاستنتاج قيمته.

أما الفئة الثانية التى لا تسدد اشتراكات شهرية للجماعة فهم الطلبة الذين يصل عددهم إلى حوالى 30 ألف طالب إخوانى تقريباً، بالإضافة إلى عدد متغير من فقراء الإخوان يصل أحيانا إلى خمسة آلاف عضو ويقل أحيانا أخرى عن هذا العدد وهؤلاء تمنعهم ظروفهم المادية من سداد قيمة الاشتراك الشهرى. وتصل قيمة الاشتراك الشهرى الذى تحدده لائحة الجماعة إلى 8% من إجمالى الدخل الشهرى للعضو يقوم بسدادها أول كل شهر وبالتالى ونظرا لتفاوت الدخول بين أعضاء الجماعة وبعضها فإن قيمة هذه الاشتراكات الشهرية دائما ما تأتى متفاوتة، حتى الفرد نفسه فأحيانا يسدد قيمة ما وأحيانا أخرى يسدد قيمة مختلفة.

ولكن بحسبة بسيطة نجد أن متوسط الاشتراك الشهرى لعضو الجماعة يصل فى الغالب إلى مائة جنيه وأحيانا مائة وعشرين، فإذا ما قمنا باستبعاد الطلبة والفقراء يكون دخل الجماعة الشهرى قيمته 40 مليون جنيه تقريبا أى نصف مليار جنيه سنويا كدخل ثابت للجماعة من اشتراكات الأعضاء فقط، وإذا كان هذا الحساب قام على عدد الأعضاء الذى تم حصره عام 2008 فإن العالم تطور من بعدها وكذلك جماعة الإخوان فزاد العدد وزاد المال المدفوع بما يرشح أن تكون ميزانية الجماعة السنوية حالياتصل إلى حوالى مليار جنيه.

وإذا كانت الجماعة قد دخلت إلى سوق المال الدولى وأصبحت تستثمر جزءا كبيرا من أموالها فى الخارج ـ وفقاً للدراسات التى أعدها بعض رجال الاقتصاد ـ فقد بات حتمياً على حسب هذه الدراسات أن تحصل الجماعة على نصف مليار دولار تقريبا نسبة عائد على استثماراتها فى دبى وتركيا وهونج كونج التى تصل جملتها إلى 2 مليار دولار على حد ميزانية قدمها أحد رجال الاقتصاد الكبار من الإخوان قام بإعدادها وعرضها على مكتب الإرشاد عام 2008.

ولكن أين تذهب هذه الأموال؟ من اليسير أن نعلم أنه يتم إيداع جزء كبير من هذه الأموال فى بنك فيصل الإسلامى بأسماء أعضاء من الجماعة فى حسابات مشتركة، كما أنه يتم تدوير بعض هذه الأموال فى الاستثمار المباشر فى دور النشر وإنشاء المدارس الخاصة وشراء الأراضى، كما يتم استثمار هذا المال من خلال العديد من شركات الإخوان العاملة فى مجالات اقتصادية مختلفة.

وإذا كان المجتمع المصرى قد استقبل فى الثمانينيات وفى فترة بدايات حكم مبارك شركات توظيف الأموال الإسلامية وفتح جيوبه لها فى ثقة متناهية ذلك أنه لم يدر بخلد أحد من هؤلاء البسطاء أن هذه الشركات تتاجر بالشعار الإسلامى دون أن تعمل به، إلا أن جماعة الإخوان لم تكن بعيدة عن تلك الشركات بل إنها كانت فى قلب الحدث الاقتصادى القائم على توظيف الأموال من خلال شركات إخوانية تعمل وفقا لتوجيهات من مكتب الإرشاد، وكانت شركات الشريف والحجاز من هذه الشركات التى خلفت وراءها مآسى ومذابح مالية أقيمت على نصب مكتب الإرشاد.

يقول البعض إن أموال الإخوان مثل جبل الجليد لا يظهر منه إلا الجزء الأصغر أما الجزء الأكبر فهو تحت الماء لا يراه أحد .. فإذا كانت أموال الجماعة داخل مصر أصبحت ظاهرة أمام العيان إلا أن الجزء الأكبر من ثروة الإخوان ما زال مختفيا فى الخارج، فعبر سنوات طويلة تكونت للإخوان خبرة تراكمية فى إدارة المال، ومن خلال هذه الخبرة استطاعت الجماعة استعادة العلاقة بالأسواق الخليجية والتركية، وقامت بفتح شركات جديدة من الشركات عابرة القارات ومشاركة رجال أعمال فى تلك الدول ممن لهم علاقة جيدة بأعضاء بالجماعة، كما تمت إعادة توجيه استثمارات الإخوان فى شراء أسهم فى شركات خارجية وضخ أموال الجماعة فى بورصات غربية، وافتتاح مشروعات جديدة فى قطر.

يبدو أن مقولة البعض بأن الإخوان يستطيعون شراء مصر بما فيها من خلال مؤسسات مالية ضخمة مقولة خالية من المبالغة فأموال الجماعة تجعلهم الرأسمالى الأكبر فى تاريخ مصر ، ومع ذلك فإن هذا الرأسمالى الكبير دخل إلى حكم مصر لا لكى يضيف لها ويرفع عنها الأعباء التى تكبدتها عبر سنوات، ولكن لكى يحلبها ويمص دمها كى تصاب خزائنه هو بالتخمة وأظن أن المستفيد الأكبر من لعبة هبوط الدولار أمام الجنيه هم أصحاب شركات الصرافة من الإخوان، ابحث عنهم لتعرف ما الذى يحدث لنا