رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا للعنف ضد المرأة «4-4»


فى المقالات السابقة وضعناً تعريفاً للعنف ضد المرأة، وذكرنا إن كان الوأد قد انتفى اليوم بالمعنى الحرفى إلا أن وأداً جسدياً ونفسياً واجتماعياً مازال يطبق على المرأة بالمعنى المجازى للكلمة، والذى يتخذ درجات متفاوتة من العنف ضدها، وفى هذا المقال نستكمل الأسباب الرئيسية للعنف ضد المرأة. فهناك أسباب تربوية، قد تكون أسس التربية العنيفة التى نشأ عليها الفرد هى التى تولد لديه العنف إذ تجعله ضحية له، حيث تشكل لديه شخصية ضعيفة وهذا ما يؤدى إلى تعويض هذا الضعف فى المستقبل بالعنف، بحيث يستقوى على الأضعف منه وهى المرأة، وقد يكون الفرد عايش بنفسه ما حدث لأمه من أبيه بحيث ينشأ على عدم احترام المرأة وتقديرها ومن ثم يتعامل معها بشكل عنيف.

ويضاف إلى هذا أن هناك أفكاراً متجذرة فى ثقافات الكثيرين والتى تحمل فى طياتها الرؤية الجاهلية لتمييز الذكر على الأنثى مما يؤدى إلى تصغير دور الأنثى، وفى المقابل تكبير الذكر ودوره، حيث يعطى الحق دائماً للمجتمع الذكورى للهيمنة وممارسة العنف على الأنثى منذ الصغر، وتعويد الأنثى على تقبل ذلك وتحمله والرضوخ إليه إذ إنها لا تحمل ذنباً سوى أنها ولدت أنثى.

كما أن الأقوال والأمثال والتعابير التى يتداولها الناس فى المجتمع عامة بمن فى ذلك النساء أنفسهن والتى تبرز مدى تأصيل هذه الثقافة بحيث تعطى للمجتمع الذكورى الحق فى التمادى ضد الإناث مثل: قول المرأة عند ضربها من قبل الرجل (ظل رجل ولاظل حائط) هذا فضلاً عن دور وسائل السلبى فى تدعيم هذا التمييز وتقبل أنماط من العنف ضد المرأة من خلال بعض البرامج والمسلسلات.

من المعروف أن وضع المرأة فى أى مجتمع يعتبر هو أحد المعايير الأساسية لقياس درجة تقدم هذا المجتمع، كما تقول الدكتورة زينب رضوان فى كتابها «المرأة بين الموروث والتحديث»، لأنه لا يُتصور أن يتقدم مجتمع فى عصرنا الحالى بخطى منتظمة مخلفاً وراءه النصف من أفراده فى حالة تخلف، لأن المرأة لاتعيش فى حالة انعزال عن الرجل، لذلك فإن تخلفها لابد وأن ينعكس أثره مباشرة على تفكير الرجل ومسلكه، وأن يُشكل بالتالى واحداً من أهم تلك العوائق الحضارية الشهيرة التى تعرقل التنمية.

إن العنف بصفة عامة هو لغة الضعفاء حتى وإن بدا بمظهر القوة والهيمنة، وظاهرة العنف هى من هذا النوع الذى يحمل طابع الهمجية والبربرية، إذ إنها تهدد جميع المنجزات التى حققتها الإنسانية، ويعتبر العنف ضد المرأة هو سُبة فى جبين الإنسانية، ومن منا لا يعرف «المرأة» ذلك المخلوق الجميل «إنها الأم الحنون، إنها الزوجة رفيقة الدرب الطويل، إنها الأخت والابنة، إن المرأة كائن مملوء بأرق الأحاسيس وأصدق العواطف، كائن يملأ الوجود سحراً وجمالاً وروعة، أحبها الجميع ومن شدة حبهم لها ورغبتهم فى امتلاكها طوقوها بالقيود والأعراف والتقاليد، وأقنعوها بأنها لاتستطيع الحياة بدونهم وبدون قوانينهم، أرادوها لهم جزءاً من رغباتهم وشهواتهم فحجزوها فى البيوت وأخفوها داخل الأسوار، حجروا على عقلها وخزنوا فيه خرافات وأفكاراً تزيد من تسلطهم عليها، حتى غدت المرأة عدوة نفسها لأنها اقتنعت بعدم صلاحيتها لمعظم الأعمال، وبأنها مخلوقة خصيصاً لمتعة الرجال، هى ناقصة، وهى ضعيفة ومستهدفة من الشيطان، هى سبب كل البلاء والشرور، وهى سبب الفتنة، والرجال ضحاياها، هكذا كانت الطريق للسيطرة على هذا المخلوق اللطيف الذى نحتاجه قوياً وليس ضعيفاً، نحتاجه يقود ويؤثر فى الحياة، ياترى متى سيأتى اليوم الذى تجرم فيه مجتمعاتنا العربية جميع أشكال التمييز والعنف ضد المرأة؟