رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العنف فى دور الأيتام


توقفت كثيراً عند مشهد أليم يعكس قسوة شديدة تجاه فتاة صغيرة يتيمة تعيش فى أحد دور الأيتام، حيث قام أحد المشرفين بكيها فى جزء من جسدها الصغير، إن هذه الفتاة هى طفلة وحيدة لا حول لها ولا قوة، وليس أمامها أحد لتشكو إليه ألمها المبرح والدفين، وليس لها من سند فى الحياة يقف بجانبها ويأخذ لها حقها ممن قام بكيها بالنار، وهى لا تملك سوى البكاء المستمر والأنين المتواصل على حالها وعلى قسوة الحياة معها، وعلى العنف الذى لقيته فى دار مفترض أنها تقوم برعايتها بدلاً من والديها اللذين لم ترهما.

إن السكوت أمام قسوة مشهد هذه الطفلة الصغيرة هو جريمة فى حد ذاته.. وأن هذه الجريمة النكراء تستدعى كل ذوى الضمائر من أجل التصدى الفورى من جانب المجتمع، من أجل وضع حد لمثل هذه الممارسات الوحشية، التى يقوم بها بعض المشرفين المجرمين، إنهم كائنات بلا رحمة انعدمت ضمائرهم فأصبحوا أقرب إلى الوحوش الآدمية التى ينبغى استبعادها من هذه المواقع تماماً، ويجب أن يلقوا الجزاء الرادع مقابل جرائمهم النكراء.

إن دور الأيتام لابد أن تكون عليها رقابة منظمة ومستمرة من وزارة التضامن الاجتماعى، وينبغى أن يعاد النظر فى بعض منها بحيث يتم إغلاقها أو استبدال إدارتها بإدارة ذات كفاءة وذات خبرة فى مجال رعاية الأيتام، ومن الأفضل أن تكون تابعة للدولة ولوزارة التضامن الاجتماعى.

إن أبسط حقوق الطفل اليتيم أن يلقى الرعاية المناسبة من المجتمع، وفى دار تكفل له الرعاية والتعليم والتنشئة السليمة، ولابد أن يشرف عليها متخصصون ذوو خبرة وذوو ضمائر، وإلا تحولوا إلى ضحايا مقهورة لمجتمع لم يستطع أن يوفر لهم الرعاية المطلوبة ليصبحوا مواطنين ومواطنات أسوياء يساهمون بالعمل والإنتاج فى منظومة بناء مصر الحديثة.

أما استمرار سوء المعاملة والقهر والعنف فى تنشئة الأيتام، فمعناه أننا نسهم فى تنشئة جيل كامل من الشباب والشابات الساخطين على مجتمع ظلمهم وحرمهم من أبسط حقوقهم فى الحياة الكريمة، ولم يقدم لهم سوى القسوة والعنف والتعذيب البدنى،إن ترك الأيتام بين أيدى مجرمين بلا رحمة هو أمر لا يجب استمراره أو السكوت فى مواجهته،إن هذه الممارسات الضارة بالأيتام الذين حرموا من نعمة الرعاية من الأب والأم لا يصح أن تمر بلا عقاب، وأننى أطالب بتغليظ العقوبة على ارتكاب أى صور من صور العنف فى معاملة الأطفال الأيتام.

إن لدينا مواد فى قانون الطفل المصرى الصادر فى سنة ٢٠٠٨ تنص على تجريم العنف ضد الطفل، إلا أننى أطالب بتغليظ العقوبة أيضاً وبشكل خاص فى مواجهة من يعذبون الأطفال فى دور الأيتام، وأنه بعد التحقيق معهم، ومن تثبت إدانته فلابد من توقيع الجزاء عليه، إن أقصى درجات القسوة هى القسوة ضد الطفل، ولهذا فإنه لابد أن يكون العقاب متناسباً مع الجريمة، إن صرخات تلك الطفلة اليتيمة لا تبارح أذنى، وهى فى حاجة إلى تعويض مناسب حتى تستعيد حياتها وطفولتها، وإننى أتساءل: ما الخطأ الذى ارتكبته، تلك الطفلة الصغيرة والذى يصل إلى درجة كيها بلا رحمة بالنار فى جزء من جسدها الصغير؟. إن هذه الجريمة التى ارتكبت ضد طفلة يتيمة وضد أطفال آخرين فى نفس الدار، تجعلنى أدعو وزيرة التضامن الاجتماعى غادة والى إلى سرعة التحقيق مع هذه الدار ومعرفة الجانى ومعاقبته وفقاً لقانون الطفل المصرى، كما أننى أدعوها لتشكيل مجموعة عمل ذات كفاء وموثوق فى خبرتها لمراقبة ومتابعة ورصد ما يدور فى دور الأيتام، إنها خطوة ضرورية حيث شهدت مصر خلال السنوات الأخيرة تأسيس عدد كبير من الملاجئ ودور الأيتام، وكثير منها فى اعتقادى لابد أنه سيكون تابعاً لتيار الظلاميين حتى يتم جمع أكبر قدر من الأموال تحت ستار التبرعات للأيتام، كما أن بعضها تأسس ممن ليس لديهم خبرة أو مواصفات تكفل رعاية وحماية وتنشئة الأطفال التنشئة السليمة، إن لدينا عدداً كبيراً من دور الأيتام فى حاجة إلى إعادة النظر فيها، وهى مسئولية مهمة ورسالة إنسانية قبل أن تكون تجارة أو عملاً عشوائياً.

وأعتقد أن الأيتام سواء كانوا بنيناً أو بناتاً يستحقون اهتماماً أكبر من الدولة ومن المجتمع، حتى نعوضهم عن قسوة أقدارهم، ويكفيهم عذاباً أنهم قد حُرموا من رعاية الأبوين.