رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى البحرين أزمة من الطبل والزمر


فى 25 أكتوبر الحالى افتتح مجلس النواب البحرينى جلسته بهجوم شنه بعض النواب على تعليم الموسيقى فى المدارس وإقامة الحفلات الغنائية. وطالب النائب محسن البكرى بإلغاء مقرر الموسيقى من التعليم، أما النائب أنس بوهندى فأعلن أن مقررات الموسيقى دمار للطلاب، منوهاً إلى أنها من الأمور التى تغضب الله عز وجل لكن الحكومة البحرينية لم تقم وزناً لذلك الهجوم وجاء فى ردها أن تعليم الموسيقى «يسهم فى بناء شخصية الطالب الحسية والنفسية والعقلية فى المدارس». الرد الأقوى على الفكر الظلامى فيما يتعلق بالفنون وحظرها جاء من الكويت بافتتاح « دار الأوبرا الوطنية» فى 31 أكتوبر على مساحة 214 ألف متر مربع وتضم ثلاثة مسارح وقاعات للسينما ومكتبات ومركزاً للموسيقى! لكن ذلك لا يمنع أن ذلك الحضور النشط للفكر الظلامى قد أثار استياء كبار الكتاب فى البحرين ومنهم د. حسن مدن الذى كتب بعنوان «الدواعش فى المدارس» يقول: «مجرد أن ينال هذا الطلب أغلبية أصوات الحاضرين فى الجلسة أمر لا يليق بالبحرين ولا بمكانتها الثقافية»، وأن: «مواجهة أفكار التطرف والتكفير هى حرب لابد منها بتطوير المناهج التعليمية». وللفكر الظلامى فى معاداة الفنون تاريخ أسود وطويل ليس فى البحرين وحدها بل وفى العالم العربى كله. وعندما ظهرت جريدة الوقائع المصرية قاوموا طباعتها حجة أنه قد يرد فيها اسم الجلالة ثم يلقى بها إلى الأرض»! وشنوا حملة شعواء على فن النحت والصور لولا فتوى من الإمام محمد عبده الذى قال إن التماثيل والصور بحد ذاتها ليست حراماً، الحرام عبادتها. وعندما افتتح زكى طليمات معهد التمثيل فى نوفمبر 1930 شنوا عليه هجوماً شرساً بزعامة الشيخ محمود أبو العينين. أما موقفهم من الموسيقى فمعروف وقائم على تفسيرهم الدينى الشخصى الذى لا يستند لتحريم أونص قاطع. وعلى العكس من الرؤى الظلامية يشير جلال الدين السيوطى أحد كبار علماء المسلمين فى كتابه «الإتقان فى علوم القرآن» إلى أهمية الموسيقى قائلاً: «كثر فى القرآن ختم الفواصل بحروف المد واللين وإلحاق النون وحكمته وجود التمكن من التطريب بذلك كما قال سيبويه». وتعود بنا دعوة نواب البحرين إلى العلاقات الدبلوماسية التى انقطعت مرة واحدة بين مصر والسعودية بسبب موقف التيار الوهابى من الموسيقى!

ويحكى يحيى حقى تلك القصة فى كتابه «كناسة الدكان» فيقول إنه كان من رجال السلك الدبلوماسى فى القنصلية المصرية بجدة عام 1929، وإنه لمس هناك «كراهية المذهب الوهابى للموسيقى» حتى أن أصدقاءه من المواطنين السعوديين المثقفين كانوا يقومون بتهريب أسطوانات عبد الوهاب إلى المملكة سراً فى طرود تحتوى على ملابس! وفى ذلك الوقت لم يكن هناك سوى القنصلية لأن العلاقات قطعت بين البلدين قبل أربع سنوات، ولم يكن قطعها لسبب سياسى بل بسبب الفرقة العسكرية الموسيقية المصرية التى كانت تخرج من مصر مع المحمل لتزفه فى الطريق إلى مكة والمدينة المنورة ذهاباً وإياباً، وأن الوهابيين اشتبكوا مع أعضاء الفرقة حين وصلت إلى السعودية تلعلع وتنفخ الأبواق وتدق الطبول وكاد الأمر يتحول إلى صدام مسلح لولا أن الملك أرسل ابنه سعود للفصل بين الجمعين. فكانت هذه الحادثة سبب قطع العلاقات بين البلدين.

ويعلق يحيى حقى قائلاً: «وكل هذا كما رأيت من جراير الطبل والزمر»! ويشير إلى أن السعوديين كانوا يتحايلون على منع الموسيقى بطرق غريبة، فقد حضر هو ذات مرة حفل عشاء عند أحدهم أنشدوا فيه الموشحات الدينية، ومنها قصيدة «أنا على دينك»، واكتشف يحيى حقى لدهشته البالغة أن موشح «أنا على دينك» نسخة طبق الأصل لحناً ونصاً تقريباً من أغنية لأم كلثوم كانت شائعة فى مصر هى «أنا على كيفك»! فقط غيروا الكلمات ليستمتعوا بالموسيقى! ويقول حقى: «كم كانت بارعة وساذجة معاً حيلتهم فى كسر القيود»! إن أحداً لن يمنع الطير من الزقزقة، ولن يمنع البشر من الغناء ولن يحجب عنهم الموسيقى التى تجلو الروح والذهن وتهذب المشاعر. وإذا كانت أزمة البحرين من جراء «الطبل والزمر»، فلا الطبل سيتوقف عن القرع ولا الزمر سيكف عن الرنين. أما « دواعش المدارس والفن» على حد قول د. حسن مدن فلا مستقبل لهم.