رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مجلس النواب "معارضة بلا أنياب".. الأحزاب مُصابة بـ"الدوار السياسي".. وتكتل 25- 30 "التيار ‏المعاكس".. وخبراء: "التضييق والمال السياسي يقصفان جبهة المعارضة"‏

جريدة الدستور

تشكل مجلس النواب الحالي بعد ثورتين هما الأقوى في التاريخ المصري، حمل فيهما الثوار لواء التمرد ‏والمعارضة بالميادين، وأسقطت نظامين من أعتى أنظمة الحكم، وعُرف عن المصري منذ ذلك التاريخ بأنه ‏لن يهاب الظلم ثانية، وستكون المعارضة هي لسان حال الشعب ومؤسساته، إلا أن تلك الأحلام جميعها ‏تحطمت على صخرة البرلمان.‏

ورغم تسلل عدد لا بأس به من فصائل المعارضة إلى قبة البرلمان، إلا أن صوتها لايزال غير مسموعًا، ‏بسبب طغيان الأغلبية المؤيدة للرئيس والحكومة عليه، واحتلالها للقاعدة الأكبر في المجلس، حتى فُقدت ‏جميع الآمال في أن تصبح لدى مصر معارضة حقيقية قادرة على الانتقاد ووضع الحلول، فكان البرلمان ‏هو آخر الآمال في هذا الشأن.‏

وحتى الآن لم يظهر داخل المجلس تكتلات أو أحزاب نستطيع وصفها بالمعارضة الحقيقية، سوى بعض ‏المحاولات المنفردة مثل تكتل 25-30، الذي حمل بشكل أو بآخر لواء المعارضة أسفل القبة، ويلاقي في ‏الوقت ذاته محاولات للتضييق باتهامه بالخيانة وتحويل نوابه إلى لجان القيم، إلى جانب بعض المحاولات ‏المنفردة من النواب أمثال النائبين كمال أحمد، ومحمد أنور السادات.‏

‏"تكتل 25-30"‏
يُمثل تكتل "25 – 30" صوت المعارضة المنخفض تحت القبة، حيث يضم 4 نواب عن الحزب ‏المصري الديمقراطي، بالإضافة إلى نائب حزب التجمع عبدالحميد كمال، وعددا من النواب المستقلين ‏أبرزهم: "خالد يوسف، ويوسف القعيد، وضياء داوود"‏‎.‎

التكتل لم يؤثر على القرارات السياسية بشكل فعال، ولا يمتلك قاعدة قوية في المجلس، ورغم ذلك فقد ‏خاض معارك تُحسب له، حيث كان الجهة الوحيدة التي رفضت برنامج حكومة المهندس شريف إسماعيل ‏وبيانه، في الوقت الذي مرره البرلمان بموافقة بلغت نحو 91%.‏

وفي الوقت الذي صفق فيه النواب لوزارة الداخلية بعد اقتحامها نقابة الصحفيين، أدان التكتل الواقعة، ‏وأحاط وزير الداخلية اللواء مجدي عبدالغفار بطلبات الإحاطة والاستجوابات، كما انتقد سياسات الحكومة ‏المالية على أثر أزمة الدولار الأخيرة‎.‎

وصوت على رفض مشروع الموازنة العامة للدولة، ورفض تمرير نسبة العلاوة السنوية 7% بقانون ‏الخدمة المدنية، حيث كان يطالب بأن تكون 10‏‎%‎، ودخل بسببها في معركة ضارية مع ائتلاف دعم ‏مصر.‏

ووجه اتهامات لرئيس البرلمان الدكتور علي عبدالعال فى بيان أصدره، قال فيه: "هناك عقبات موضوعة ‏تعوق أداء دورنا الذي عاهدنا الشعب بأدائه، ونعتقد أنه يشاركنا في هذه الملحوظات عدد غير قليل من ‏نواب البرلمان المصرى، فقد لاحظنا أن قاعة المجلس تحت قيادتك لا تعطى فيها الفرصة للتعبير عن ‏الآراء المختلفة فى كل الموضوعات، فتارة يمنح الفرصة وتارة يمنعها".‏

‏"ما معنى المعارضة؟"‏
بدايةً.. تُعرف المعارضة في أدبيات السياسة بمفهومها العام، بأنها قوى أو أحزاب أوجماعات سياسية ‏تمتلك برنامجًا مُحددًا يهدف بالأساس إلى معارضة السلطة الحاكمة، وتمتلك الأدوات التي تمكنها من ‏تحقيق هذا الهدف، بالوصول إلى تشريع أو حل لإحدى القضايا الشائكة، ليحدث نوعًا من التوازن بين ‏سلطات ومؤسسات الدولة.‏

أما المعارضة البرلمانية، فهي مرتبطة بالنظام الحزبي (البرلماني)، وتعتبر شكل من أشكال‎ ‎الانتقاد ‏السياسي‎ ‎للسلطة التنفيذية سواء الحكومة أو الرئيس، ‏لامتلاكها سلاح التشريع والإقرار الذي يضمن بطانة جيدة لأي اعتراض توجهه لمؤسسات الدولة.

‏"الحالة المصرية"‏
وبتطبيق تلك المواصفات على الحياه السياسية في مصر، نجد أنه تاريخيًا لم تعرف مصر في تاريخها ‏السياسي معارضة بالمعنى المعروف سوى في بدايات القرن العشرين أو ما يعرف في مصر بالعهد ‏الليبرالي، حيث شكلت المعارضة السياسية آنذاك قوة حقيقية.‏

ومع ثورة 23 يوليو 1952، بدأت تخف حدة تلك المعارضة، لاسيما بعدما ألغيت الأحزاب والنقابات وكل ‏ما يشكل تجمعًا سياسيًا، الأمر الذي حد من إمكانية معارضة نظام الحكم، وكانت تلك المرحلة بداية لسياسة مرحلة الحزب ‏الواحد، التي عرفتها مصر طوال الفترة الماضية.‏

وخرجت أول تجربة حزبية من رحم نظام السلطة في فترة السبعينات، على يد الرئيس محمد أنور السادات ‏الذي أنشأ الحزب الوطني برئاسته وتولاه الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك من بعده، مما أدخل ‏الأحزاب في حالة من الجمود.‏

وتشير الكثير من الأبحاث النفسية، إلى أن المصري لديه ميل فطري نحو احترام القانون والسلطة ‏وسيادتهما، لاسيما أنه خلال فترتي الستينات والسبعينات، كانت الأصوات المعارضة تتهم بعدم الولاء ‏الوطني والعمالة للخارج.‏

‏"الأحزاب السياسية"‏
‏ وعلى صعيد الأحزاب السياسية، فتمتلك مصر نحو 15 حزبًا، نشأ 4 منهم على أساس المعارضة وهم : ‏‏"الوفد، التجمع، الأحرار، الناصري"، إلا أنها وفقًا لمراقبين مصابة بدوار سياسي وجمود على مستوى ‏الفكر والآلية.‏

وحصدت تلك الأحزاب عددا لا بأس به من مقاعد المجلس، فحصد حزب المصريين الأحرار نحو 65 مقعدًا، وجاء من بعده الوفد بنحو 45 مقعدًا، ‏والتجمع والحزب الناصري بمقعد واحد، لكنها وقعت في مأزق مزدوج، ما بين جمودها الفكري وضعف ‏مصداقيتها في الشارع المصري وفقًا لمراقبون. ‏

‏"مجلس النواب"‏
ورغم أن البرلمان الحالي يعد أول تجربة نيابية حقيقية بعد ثورة 25 يناير، وأحد أدوات المعارضة السياسية في ‏فرض رؤيتها على السلطة التنفيذية، إلا أن المعارضة داخل المجلس وصفت بأنها بدون أنياب، لثلاثة ‏أسباب رئيسية وهي: "جمود الأحزاب، المال السياسي، التضييق الأمني"، وفقًا لرؤية خبراء الشأن ‏السياسي في تصرحيات خاصة لـ"الدستور".‏

‏"البرلمان يحمل أختاما"‏
يرى الدكتور، مختار غباشي، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية، أن عدم وجود معارضة ‏حقيقة في البرلمان يرجع إلى عدم وجود رؤية محددة تستطيع الأحزاب طرحها بشأن الأزمات الحالية، ‏لتكون بديل مقنع أمام السلطة التنفيذية، أو يتعاطى مع الرأي العام بشكل أفضل من سياسات الحكومة.‏

وأضافت أن البرلمان الحالي أشبه بمن يحمل أختاما لتمرير كل ما يُلقى له دون رفض أو انتقاد، ولا يحمل ‏آليات المراقبة التي تؤهله ليكون أداة للمعارضة والتعاطي مع الحكومة، مشيرًا إلى أنه حتى الآن لم يقدم ‏استجواب واحد للوزراء في قضية تلقى تقدير الرأي العام ويتابعها، وكل طلبات الإحاطة والاستجوابات ‏المُقدمة صورية فقط.‏

وأشار إلى أن المعارضة اقتصرت على بعض الشخصيات الموجودة في تكتل 25-30 فقط، والتي تمارس ‏عليها أشكال التضيق كافة، وهو صوت وحيد لا يكفي، في الوقت الذي يعج فيه البرلمان بالأحزاب المستأنسة والأليفة المُصابة بالجمود والدوار السياسي، بوقفها جانب ‏السلطة التنفيذية دائمًا.‏

‏"المال السياسي"‏
أما الدكتور حسن نافعة، فأوضح أن غياب المعارضة الحقيقية في البرلمان، ترجع إلى طريقة العملية ‏الانتخابية من البداية، والتي تدخلت فيها عوامل عدة، منها قانون الانتخابات وتدخلات الأجهزة الأمنية ‏ورجال الأعمال‎ ‎والمال السياسي الذي لعب دور قوي في اختيار القوائم وأغلبيتها.

ولفت في دراسة له بعنوان: "الانتخابات البرلمانية في مصر ومستقبل النظام السياسي"، إلى أن محاولات ‏السيطرة على الانتخابات بوسائل أخرى غير التزوير المباشر، هو من أدت إلى تلاقي مصالح رجال ‏الأعمال وأجهزة الأمن داخل قبة البرلمان.‏

وأوضح أن الأغلبية الساحقة انتقتها أجهزة الدولة بشكل جيد، ليطغى صوتها على كل صوت معارض ‏أسفل القبة، لافتًا إلى أن نحو 50 إلى 100 عضو داخل البرلمان الحالي من الممكن أن يشكلوا معارضة ‏في المستقبل، تشبه تكتل 25- 30، ولن يكون هناك معارضة أكثر من ذلك.‏

‏"أغلبية حب مصر"‏
وأرجع الدكتور أحمد دراج، أستاذ العلوم السياسية، عدم وجود المعارضة إلى نواب قائمة في حب مصر، ‏قائلًا: "هي الجهة الأقوى داخل البرلمان، واستطاعت اكتساح مقاعده بسبب دعمها من جهاز الدولة وسلطة ‏الحكم، بحيث لا تسمح لأحد بالمعارضة كما أنها تمتلك سلاح الأغلبية الذي يؤهلها لتكون ظهير سياسي ‏للسلطة التنفيذية".‏

ولفت إلى أن مجلس النواب تحول ‏ إلى برلمان ‏موافقون، لا يَنقد ولا يُنتقد، وبات أشبه بمؤسسة تكمم أفواه ‏المعترضين على القوانين ‏داخلها لصالح الحكومة، موضحًا أن الدور ‏الرئيسي ‏للبرلمان هو ‏المعارضة ‏وتقبل الانتقاد، وتنبيه الحكومة إلى أخطائها وليس تأييدها.‏