رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدستور الأخير.. وأزمة المادة «٢٣٥»


لقد واجهنا العديد من الصعاب فى لجنة الخمسين، ولولا صبر أيوب الذى تميز به الأستاذ عمرو موسى والمحاولات الجادة والمجاهدة لأصاب اللجنة بعض الفشل كما حدث فى لجنة المائة، حيث انسحب منهم عشرون بالمائة من أعضائها، ومع ذلك لم يعمل للمنسحبين...

... أى اعتبارات حتى بعد أن اجتمع الفريق المعترض مع الفريق المؤثر فى اللجنة آنذاك، وأعنى بهم من كانوا يقودون الجمعية وكل لجانها، وسعوا من اليوم الأول لحوارنا، والذى بدأناه فى مكتب فضيلة الامام وبحضوره، أن يحققوا أهدافهم دون اعتبار لآراء غيرهم، وكنا لم ننته بعد من عرض كل مواد الخلاف، وكان اليوم الأخير من أيام العمل، ومع ذلك أعرب الإمام عن سفره لمدينة الأقصر، لكنه قال إن مكتبه مفتوح، فكان قرارنا أن نكمل الحديث بعد عطلة الأسبوع وعودة الإمام، وعرض أحد الأعضاء بعد مكالمة مع الرئيس السابق أن نذهب معه إلى السيد الرئيس الذى ينتظرنا، فكان ردنا بالاعتذار لعدم اكتمال الحديث وليس من اللائق أن نلتقى بالرئيس ونحن لم نكمل باقى مواد الخلاف، وانصرف الجميع على وعد باللقاء بعد عطلة نهاية الأسبوع، وبالطبع أبلغ الرئيس السابق بقرار المجموعة.

أما المفاجأة فكانت إعلان اعتماد الرئيس للدستور فى مساء ذلك اليوم، وأغلق باب الحوار بالاعتماد بأغلبية كافية للقبول دون النظر إلى آراء عشرين بالمائة لم يبدوا رأياً بالقبول أو الرفض، ولعل ذلك كان المسمار الأول فى دستور ٢٠١١.

أما لماذا نرجع بالتاريخ إلى دستور رفضه الشعب بثورته على النظام ودستوره؟ وها نحن أمام تعديلات جوهرية فى الدستور الذى أطلق عليه «الدستور المعدل» فإنى أخشى أن الدستور المعدل قد يصل بحال بعض مواده إلى التعطيل.

وصحيح أن لجنة الخمسين قد واجهت تيارات حاولت المساس ببعض مواده، بل حتى ديباجته التى أخذت وقتا طويلا إلا أن فضيلة المفتى بادر باقتراح عبارة «مصر حكمها مدنيا»، وشكرت اللجنة فضيلة المفتى، وهدأت ثورة المعترضين والفريق الآخر، إلا أن تغييراً حدث فى الديباجة اعتقدنا أنه خطأ فى التلاوة، حتى إن رئيس اللجنة توقف أمام الكلمة، وردد المعنيون، وإذ بنا نكتشف تغيير كلمة حكمها إلى حكومتها، لتصبح مصر حكومتها مدنية بدل حكمها مدنيا، وأعتقد أن أجهزة التسجيل إذا كانت لا تزال فى الحفظ، وبالصوت، تنطق بهذا التعديل.

أما الأمر الأخطر وهو المادة ٢٣٥ والتى نصها على النحو التالى:

«يصدر مجلس النواب فى أول دورة انعقاد له بعد العمل بهذا الدستور قانونا لتنظيم بناء وترميم الكنائس بما يكفل حرية ممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية»، وصحيح أن بعضا من أعضاء اللجنة لم يكن مستريحا لإصدار مادة دستورية تضمن إصدار قانون بناء الكنائس، ولكن وبعد حوار طويل جداً قبلت الغالبية فى لجنة الخمسين لإعادة صياغة دستور دائم لمصر إلى أن انتهينا من كتابة المادة المنظمة لبناء الكنائس فى مصر، إلا أننا ونحن نقترب من الانتهاء من السنة الأولى لمجلس النواب وقانون بناء الكنائس فى مصر لم يعرض، وفى ذلك مخالفة للمادة المشار إليها بعنوان المقال، والخوف أن ينتهى الأمر إلى مخالفة دستورية أخرى تتعلق ببناء الكنائس فى مصر، وكأن هذا البلد لم يكن يوما بلدا كله من المسيحيين لأنهم أحفاد الفراعنة الذين عرفوا الدين قبل أن يبدأ، وقبل أن يعلم الأمر الذى يبدو وكأنه قصد لمشروع القانون المقدم منذ الأيام الاولى لمجلسنا الموقر الحاضر وبه من الرجال والسيدات العدد الكبير من المسلمين قبل المسيحيين، يسعدهم أن تيسر لقطاع ليس بالقليل عددا وعونا للبلاد العزيزة مصر التى تكرر ذكرها فى الكتاب المقدس فى أزمنتهم المختلفة كدولة متدينة منذ بدء الخليقة، فمصر أكبر وأعرق دولة على مستوى العالم، يتكرر ذكرها فى العهدين القديم والجديد يبلغ عدده أكثر من خمسمائة مرة يشار فيها إلى مصر والمصريين، وهذا هو البلد الوحيد الذى حظى بهذا الوضع، فمصرهى التاريخ، وهى مدرسة التعلم والقدوة والاقتداء، وليس من صالح أى شخص ينحو بمصر بعيدا تحت أى عقاب أو سلوك مريض أن يقلل من مكانة مصر التى كانت ملاذا للجياع كأبناء يعقوب الذين جاءوا إلى مصر يبتاعون القمح من فرعون مصر عندما كاد الجوع يقضى على المخلوقات جميعها لنحو سبع سنين هى سنوات الجفاف والقحط والجوع، كما كانت مصر ملاذاً للأمن والأمان حتى لجأت العائلة المباركة بالطفل يسوع «عيسى» هرباً من غطرسة الحاكم وجبروته، والتمسك بالسلطة ودوائها ظاناً أن المسيح سيأخذ الملك منه عندما يكبر جهلا أو غباء أن الملك القادم لم يكن يوما طامعا أو متطلعا إلى حكم العالم والتسلط على خليقة الله. وحتى لا نتوه بعيدا عن صلب المادة « ٢٣٥» والتى تمكن أقباط مصر من بناء كنائسهم وصيانة مبانيها دون ضغط أو توسل لتحقيق ما هو صالح ومحبب إلى خالق الكون الذى خلق الإنسان حراً ليعبدوه عن رغبة واختيار، وليس توسلا أو انبطاح، ولهذا كان لابد من إصدار تلك المادة والتى كما يبدو أنها أدخلت دار الراحة الطويلة، ليس فى محاولة إلى تجاهلها أو تناسيها، وفى أفضل الأحوال إلى تأجيلها مع ما فيه من مخالفة للدستور الذى حدد الهدف والمساحة الزمنية لتحقيق الهدف، فهل هذا كثير على شعب واثق فى خطواته، محب لدنياه ومن قبلها دينه؟ أرجو أن نكون قد سجلنا فى مذكراتنا الهدف وكيف يتحقق، والدستور ومتى يتحقق.

أعان الله مصر مرفوعة الرأس، نقية الروح، منفتحة على العالم بكل أطيافه وبنيانه، ووقاها من كل وقيعة أو مسوءة تنال من تاريخها ونضالها، وجمع شمل شعبها الواحد، متمم لواجهتها الحضارية المشرقة لتكون وبحق مشرفة.