رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الفتنة الطائفية واستئصال الجذور «2»


تناولنا فى المقال السابق أن أحداث العنف الطائفية لم يعد ينفع معها جلسات الصلح العرفية، وأنه لا بديل عن تطبيق القانون، وأن الكثير من تلك الجلسات تنتهى بالضغط على المعتدى عليهم من الأقباط ليتنازلوا عن حقوقهم، والتى قد تصل إلى حد إبعادهم قسرياً عن منازلهم وقراهم تحت زعم تهدئة الموقف، عادة بتواطؤ من القيادات التنفيذية والأمنية...

ونستكمل اليوم بشأن العدالة الناجزة. ماذا بشأن القتلة المعتدين على كنيسة القديسين بالإسكندرية فى 31 ديسمبر 2010؟ ماذا بشأن القتلة المعتدين الذين قتلوا وقنصوا شهداء ثورة يناير؟ من قتل الشيخ عفت ومينا دانيال؟ المحاكمات تعقد كل يوم، والأحكام تصدر على قيادات الجماعات الإرهابية الإخوانية والسلفية الجهادية والجماعة الإسلامية، ولم يتم تنفيذ معظم الأحكام. هذا غير مئاتوآلاف الحضانات والمدارس التى تتبع المؤيدين لهذا الفكر ويتم فيها تدريس عدم قبول الآخر وتكفير الآخر، وعدم الاختلاط أو التعامل أو حتى اللعب معه. كل هذا يتم، بل ونسمع الفتاوى على لسان شيوخهم التى تحرض ضد أبناء هذا الوطن من المسيحيين، ولا نرى تحركاً من الدولة يواكب ذلك. وإذا حدث التحرك فهو بطىء بطء السلحفاة. هذا غير تواطؤ الدولة فى عدم تنفيذ الدستور والمادة 74 منه، والتى تنص على أنه «لا يجوز مباشرة أى نشاط سياسى أو قيام أحزاب سياسية على أساس دينى، أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو على أساس طائفى أو جغرافى أو ممارسة نشاط معاد لمبادئ الديمقراطية، أو سرى أو ذى طابع عسكرى أو شبه عسكرى».

وبالرغم من ذلك، وبالرغم من ارتكاب الجماعات المتأسلمة الجرائم والعنف ضد أبناء الشعب وضد جنود الجيش والشرطة من المسلمين والمسيحيين، رغم كل ذلك لا نجد تحركاً حاسماً لحل تلك الأحزاب التى تقوم على أساس دينى. وهذا مخالف لدستورنا. ففى المادة 62 من الباب الثالث، باب الحقوق والحريات والواجبات العامة «حرية التنقل والإقامة والهجرة مكفولة، ولا يجوز إبعاد أى مواطن عن إقليم الدولة ولا منعه من العودة إليه، ولا يكون منعه من مغادرة إقليم الدولة أو فرض الإقامة الجبرية عليه أو حظر الإقامة فى جهة معينة عليه إلا بأمر قضائى مسبب، ولمدة محددة وفى الأحوال المبينة فى القانون». وتتناول المادة 63 «يحظر التهجير القسرى والتعسفى للمواطنين بجميع صوره وأشكاله، ومخالفة ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم». والمادة 64 «حرية الاعتقاد مطلقة وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية حق ينظمه القانون». إن ما ينقصنا لتطبيق الدستور بتشريع القوانين وتفعيلها ومراقبة تنفيذها هو توافر الإرادة المنحازة لهذا الدستور، سواء من أعضاء مجلس النواب أو من مسئولى السلطة التنفيذية.

وإذا انتقلنا إلى جانب آخر لمكافحة التطرف والإرهاب لابد من تضامن مجموعة من الوزارات من أجل تنشئة الأجيال على ثقافة التسامح وقبول الآخر وفهم صحيح الدين، وتنمية المعرفة والمهارات والمواهب والقدرات، وممارسة النشاطات الرياضية والفنية بكل أشكالها من مسرح وسينما وموسيقى وغناء وفنون تشكيلية وحرف بيئية، والاهتمام من جانب هذه الوزارات بوضع استراتيجية ثقافية فى مواجهة الإرهاب، وفتح كل المكتبات العامة وبيوت وقصور الثقافة ومراكز الشباب ومراكز هيئة الاستعلامات للتوعية والتثقيف والتنوير. هذا غير تشكيل المجلس الوطنى للإعلام، والذى يحمل مسئولية التوعية المستنيرة المعادية للإرهاب، مع زيادة الميزانية المخصصة لكل هذه الأنشطة الثقافية، مع إنشاء مجمع للحرف البيئية على مستوى الجمهورية للحفاظ على تلك الحرف البيئية وتطويرها وتسويقها بالمعارض الداخلية والعالمية. إن بث منظومة ثقافية تعليمية دينية جديدة ستكون بمثابة حائط صد للعنف والتطرف. هذا بجانب التنمية الإنتاجية وتوفير فرص العمل لاستئصال الفقر وتوفير حياة كريمة للمواطنين. إننا نريد الأمن والأمان كما تنص المادة 59 من الدستور «الحياة الآمنة حق لكل إنسان، وتلتزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها ولكل مقيم على أراضيها».