رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدولة الدينية والاستبداد والقهر «3-3»


بدعوة من مركز القدس للدراسات السياسية ومؤسسة «دانميشن»، وفى إطار «برنامج الشراكة الدنماركية العربية»، ذهبت إلى العاصمة اللبنانية بيروت يومى 4 و 5 مارس الجاري، لحضور مؤتمر «صورة الآخر فى المناهج التعليمية فى دول الإقليم» بمشاركة أكثر من ستين نائباً وخبيراً تربوياً ومسئولين من وزارات التربية والتعليم وممثلين عن مؤسسات المجتمع المدنى ذات الصلة...

... فى المقالين السابقين ذكرنا أن الدولة الدينية  هى الدولة التى يمارس حكامها الحكم باسم الله، معلنين أنهم يطبقون شريعته ويستلهمون مقاصده، ويلتزمون أوامره ونواهيه»، وحكام كل الدول الدينية  يمارسون الحكم باسم الله، وحيث الحكم الدينى تسود العنصرية والاستعلاء على الآخر الدينى المغاير، وفى ظل أى حكم دينى ينتشر التمييز على أساس اللون والدين والجنس، كما يتزايد كبت الحريات وتكميم الأفواه وقمع الأفكار وقصف الأقلام ومصادرة الكتب وقتل الإبداع وكذلك فى ظل الحكم الدينى كثيرًا ما يحدث تقسيم للدولة الواحدة إلى عدة دول لأن الاندماج الوطنى لا يمكن أن يحدث فى ظل أى حكم دينى، وقلنا إننا لسنا فى حاجة إلى دولة ترعى الإرهاب الفكرى باسم الدين وترفع سلاح التكفير فى مواجهة أى محاولة للتفكير، لسنا فى حاجة إلى دولة يهيمن عليها المهووسون دينياً الذين لا يفرقون بين النص المقدس وبين تأويله الذى هو من صنع البشر ومجرد اجتهاد قد يصيب وقد يخطئ، وفى مقال اليوم نستكمل حديثنا عن دولة المواطنة الحديثة التى نسعى فى مصرنا الغالية للوصول إليها. إننا نريد دولة وطنية حديثة تحترم المساواة بين جميع البشر بغض النظر عن الجنس واللون والدين، نريد دولة تحترم المواطنة الكاملة غير المنقوصة، دولة تحترم المرأة كإنسان وتعطيها الفرصة كاملة للتنافس فى مجالات العلم والعمل مع الرجل يداً بيد وبنفس الظروف ولا تختصر المرأة وتنظر إليها كمجرد جسد وأداة لمتعة لحظية.إن الدولة المدنية الوطنية الحديثة بهذا المعنى لا تتصادم مع الدين إذا أبقينا الدين فى دائرة العلاقة بين العبد وربه وتركنا إدارة الدولة للناس دون سلطان من طبقة الكهنوت أو رجال الدين، أو الشرائع الدينية، فالناس أدرى وأعلم بشئون دنياهم، إن الدولة المدنية الوطنية الحديثة هى دولة القانون والدستور الوضعى المستمدان من التجارب الإنسانية ومن الواقع لتنظيم حياة المجتمع بتحديد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتحديد حقوق وواجبات المواطن، وتكون فى المجتمع ثلاث سلطات أساسية هى التنفيذية والتشريعية والقضائية، وعدم تداخل هذه السلطات بل تكاملها، وكذلك تتوفر فى المجتمع الحرية واحترام الرأى الآخر، إن الدولة الدينية مرفوضة رفضاً باتاً، فالدولة الدينية ستؤدى حتماً -شئنا أم أبينا- إلى تقسيم وطننا الحبيب مصر إلى عدة دويلات، فهل نأخذ درساً وعبرة من السودان الشقيق؟!

إن ما ينبغى أن يسعى إليه المثقفون المصريون هو نشر التنوير فى عقول جموع المصريين ولاسيما فى قرى ونجوع مصر، تلك الأماكن الفقيرة مادياً وفكرياً والتى ينشر فيها المتطرفون أفكارهم الهدامة التى تسعى لخراب الأوطان وتقسيمها على أسس دينية ومذهبية، فلابد من التبصير بخطورة الدولة الدينية، والتنوير والتبشير بالدولة المدنية الحديثة التى لن يتحقق الأمان والتقدم والازدهار إلا فى ظل ربوعها. فهل نحن فاعلون قبل فوات الآوان؟!