رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المرأة.. وعلامات مضيئة


صفحات تاريخ المرأة المصرية فى العصر الحديث، تسطِّر بكل الفخر أنه توجد منهن من يعددن من العلامات المضيئة على طريق إثبات الذات، والتحرر من قوقعة التهميش والتغييب الممنهج، ولاتستطيع الصفحات نكرانها أو التغافل عنها، فالثوابت التاريخية ندين لها بالفضل فى إمدادنا بالمعرفة، وتدعمنا بالوثائق والمستندات التى تعضد تخليدهن بين سطور التاريخ...

... هل سبق أن تساءلت لمن الفضل فى منح المرأة المصرية حقها السياسى مثل حق الانتخاب والترشح؟ فقد كانت مهمشة الحقوق لفترة كبيرة من الزمن، فلنستعرض فى عجالة مسيرة بعضهن: المناضلة «درية شفيق» رائدة من الرائدات فى حركة التحرير النسائية فى مصر، والتى ينسب إليها الفضل فى حصول المرأة المصرية على حق الانتخاب والترشح فى دستور 1956، التى تم ترشيحها من وزارة المعارف لنيل منحة دراسية بجامعة «السوربون» بفرنسا، وعادت تحمل أحلامها المشروعة بالتعيين كأستاذ بالجامعة المصرية، ولكنها تصطدم برفض تعيينها من عميد كلية الآداب وكان تبريره لهذا الرفض أنها«امرأة»!!

لكنها لم تستسلم لهذا المنطق، وقبلت عرض الأميرة «شويكار» فى تقلد منصب رئاسة مجلة «المرأة الجديدة» التى تخصصت فى التصدى لمشاكل المرأة على الساحة، ثم استقلت بعد ذلك بإنشائها مجلة «بنت النيل»، التى تحولت إلى حركة سياسية تحت اسم «اتحاد بنت النيل»، ثم أعلنت قيامه كحزب سياسى، وأصبح بهذا أول حزب نسائى سياسى فى مصر. ولم يقتصر دور المناضلة درية شفيق على العمل السياسى فقط، بل كان لها دور أدبى أيضاً؛ فبالإضافة لرئاستها للمجلتين قامت بترجمة القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية والإنجليزية أيضاَ.

وبالعودة إلى صفحات تاريخ ما قبل ظهور درية شفيق على الساحة، نجد أن إرهاصات المطالبة بالحقوق السياسية؛ بدأت فى يوم 16 مارس 1919 عندما خرجت السيدات للمشاركة فى الثورة واستشهاد إحداهن «حميدة خليل» خلال الأحداث؛ ليكون هذا اليوم من كل عام ذكرى للثورة على الاستعمار ونضالها من أجل الاستقلال، ثم يجىء هذا اليوم بعد أربعة أعوام فى مارس 1923،لتشهد الساحة قيام المناضلة هدى شعراوى بمظاهرة لتأسيس أول اتحاد مصرى للمرأة، بهدف الارتقاء بمستوى تعليمها لضمان المساواة الاجتماعية والسياسية الكاملة، وبالفعل تم إنشاء الاتحاد النسائى المصرى برئاستها، واستطاع هذا الاتحاد أن يعمل بفاعلية داخل المجتمع، ويقوم بعملية التنوير بين كل الطبقات، وأصدر مجلة «الإجيبسيان» برئاسة تحرير السيدة «سيزا نبراوى»،وكانت تصدر باللغة الفرنسية، لتعريف شعوب الغرب بدور المرأة المصرية فى مقاومة الاحتلال.

وفى هذا السياق لابد أن نذكر بالخير والعرفان واحدة ممن قمن بالتعاون فى تلك الفترة مع مجهودات هدى شعراوى، وهى السيدة منيرة ثابت، التى أصدرت كتابًا لتعضيد الحركة النسوية بعنوان «الحقوق السياسية للمرأة»، حيث انتقدت فيه مواد دستور 1923 الذى خرج إلى الوجود، متجاهلا حقوق المرأة السياسية تمامًا.

وهناك العديد من النماذج المضيئة فى تاريخ نضال المرأة، أثبتت قناعاتهن على التسلح بالعلم طريقاً لنيل الحقوق السياسية والمجتمعية، ففى فترة من الفترات لم يكن من اليسير على النساء الالتحاق بالتعليم؛ وكان أقصى الطموحات هو الحصول على شهادة إتمام المرحلة الابتدائية، ولكن هناك من كسرت هذا الحاجز وقامت بدراسة الطب لتكون أول طبيبة مصرية فى العصر الحديث؛فمنذ ما يقرب من 4800 عام فى مصر القديمة مارست «مرت بتاح» الطب لتصبح أول طبيبة يذكرها التاريخ؛بل ربما أول عالمة أيضاً. وقد استغرق الأمر عدة آلاف من السنين حتى تقتحم المرأة المصرية مجال الطب مرة أخرى عندما أصبحت السيدة «هيلانه سيداروس» أول مصرية تمارس الطب فى ثلاثينيات القرن العشرين، فكانت من أوليات اللائى إلتحقن بمدرسة لندن الطبية كأول فتاة مصرية وقتئذٍ تميزت بتفوقها الشديد، وقد تأسست فى مصر جمعية «كيتشنر» «Kitchner» التذكارية بهدف إقامة مستشفى للنساء تتولى إدارته طبيبات مصريات، ولهذا تم الاتفاق على تدريب فريق من الطالبات المصريات بإنجلترا، فالتحقت هيلانة بمدرسة لندن الطبية للنساء مع خمس مصريات أخريات، واحتفلت بتخرجها فى العام 1930 لتباشر العمل بعيادة خاصة بها بالقاهرة، ولكنها تركت العمل بالطب للتفرغ للنضال ضد الاحتلال الإنجليزى، بالإضافة إلى الأعمال الخيرية.

ولا يسعنى- لمساحة المقال المحدودة- الحديث المستفيض عن آخريات من اللائى تركن بصماتهن على صفحات التاريخ المصرى.