رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أوروبا والحصاد المر «3-3»


ذكرت فى المقالين السابقين أن دول أوروبا بدأت تحصد ما زرعته نتاج مساندتها للتنظيمات الإرهابية فى المنطقة العربية، فلقد أعلن تنظيم داعش مسئوليته عن الحادث الإرهابى الذى حدث ببلجيكا, وذكرت أنه لا سبيل للقضاء على الأصولية الدينية سوى بإحياء تراث «ابن رشد» ذلك التراث الذى دفناه فى شرقنا فتخلفنا...

... بينما أحياه الغرب فتقدم، واليوم نستكمل حوارنا حول الإرهاب الذى لم ينته، فبينما لم تجف الدموع على شهداء بروكسل يفاجئنا الإرهابيون يوم الأحد 27 مارس الماضى بتفجير انتحارى يستشهد فيه أكثر من سبعين شخصاً فى منتزه فى مدينة لاهور فى باكستان، من بينهم 29 طفلاً، وقد اختار الإرهابيون الوقت والمكان بدقة، لأنه كان به كثير من المسيحيين المحتفلين بعيد الفصح،لذا كانت نسبة القتلى من النساء والأطفال عالية، ومن المؤسف أن الإعلام لم يعط هذا الحدث المأساوى أهمية كبيرة، على الرغم من أن ضحايا التفجير فى باكستان كانوا أكثر من ضعف ضحايا التفجيرات فى بلجيكا. ولعل باكستان الأكثر عراقة فى نشأة الإرهاب، ففى نهاية السبعينيات استخدمت باكستان لتكون قاعدة للأمريكان، وبدعم من أموال النفط لزرع فكر إسلامى متطرف لمحاربة النظام اليسارى فى أفغانستان، لا نعرف كيف يتحول الإنسان إلى إرهابى ليفجّر نفسه فى ملعب الأطفال ومنتزه لهم فى لاهور، لكن العالم يعرف ويقدّر عذابات الأمهات اللاتى فقدن أطفالهن، لقد تحول الإرهاب إلى خطر عالمى، لكن أخطاره على منطقتنا أصبح أعظم، وما من عزاء لأهل لاهور أفضل من مساهمة عالمية فى تحديث التعليم وتنقية المناهج من التعليم الدينى فىباكستان الذى زرع التطرف فى كل من باكستان وأفغانستان.إن تنظيم «داعش» وحركة «طالبان» و«بوكو حرام» وغيرها من التنظيمات الإرهابية حول العالم يقتلون ويذبحون ويحرقون ويفجرون أنفسهم، لأنهم محكومون بأفكار الأصوليين الدينيين وبفقه «ابن تيمية» الذى عاش فى القرن الثالث عشر والذى كفر ابن رشد بسبب قوله بإعمال العقل فى النص الدينى، وهؤلاء القتلة والإرهابيون قد تجمدوا عند القرن الثالث عشر عندما اكتفوا بابن تيمية المكفر لابن رشد، ففكر ابن تيمية القائل: «بأن تأويل النص الدينى بحسب فهم ابن رشد هو بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار»، هو الأساس الذى قامت عليه الحركة الوهابية فى القرن الثامن عشر، وجماعة الإخوان المسلمين فى القرن العشرين، وغيرها من التنظيمات الإرهابية، ومن هنا فلاحل ولا ملاذ إلا فى إحياء التراث العقلانى الذى دعا إليه ابن رشد، حيث إنه هو الحل فى مواجهة الأصولية الدينية التى رسخ لها ابن تيمية، إذا مشكلة الإرهاب الرئيسية تكمن فى الأصولية الدينية، والعلاج الرئيسى يكمن فى تأويل النصوص وإعمال العقل، فهل من مجيب قبل أن يقضى الأصوليون على الأخضر واليابس؟!