رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حاكموا الوزير.. أو أفرجوا عن الطفل


القانون هو الآلة الرئيسية فى التخت الشرقى التى تعتمد عليها بقية الآلات فى ضبط أوتارها ودرجات أنغامها، لهذا سميت الآلة «القانون»، ومن دونه تتحول المعزوفة إلى صخب متضارب بلا معنى... أيضا فإن معزوفة الأوطان تتحول هى الأخرى إلى ضوضاء وفوضى من دون القانون الذى يحدد حقوق والتزامات كل مواطن والجزاء ويطبق على الجميع من دون تمييز بينهم لذلك أكد ابن خلدون أن القانون فى الدول ضمانة العدالة التى تجنب المجتمعات الظلم وخراب العمران. وبينما يمثل القانون فى الدول المتحضرة سلطة أعلى من البشر، فإن للبشر عندنا – حسب ثرواتهم ومواقعهم – سلطة أعلى من القانون. ويصبح القانون عشرات القوانين، بعضها للأثرياء وبعضها للفقراء، من ثم تعلو فى آذاننا معزوفة الصخب والفوضى. وانظر مثلا أنه فى أواخر فبراير تم حبس محصل تذاكر فى قطار لاختلاسه ثلاثة جنيهات. وبالطبع فإن تلك الجريمة الشنعاء التى ضعضت الاقتصاد القومى لم تمر من دون عقاب. هذا «قانون». لكن هناك قانونا آخر مصابا بالرمد أو العمى الحسى يمارس دوره حينما يصل إلى القاهرة ابن الصحفى حسنين هيكل، ويدخل مصر معززا موقرا، ثم يخرج منها آمنا مكرما، مع أنه متهم باختلاس مليارى ونصف مليار جنيه عن طريق التلاعب بالبورصة عام 2012، وهناك قرار من النيابة بضبطه وإحضاره واسمه مدرج على قوائم الترقب فى المطارات المصرية.

القانون اليقظ الذى لم تفلت من تحت بصره ثلاثة جنيهات، أفلت منه ملياران ونصف مليار! مما يرسخ فى وعى المواطن أن القانون عندنا مثل بيت العنكبوت لا يسقط فيه إلا الذباب الصغير، أما الصقور الجارحة فتمزق النسيج وتواصل تحليقها عاليا. وإذن فليس لدينا «قانون» يتم على أساسه ضبط النغمات الأخرى. وانظر مثلا حادثة إقالة وزير العدل أحمد الزند بعد حديثه فى 11 مارس الحالى ورده على سؤال عن استعداده لحبس صحفيين إن خالفوا القانون بقوله: «إن شاء الله حتى يكون النبى عليه الصلاة والسلام»! لقد تمت إقالته من منصبه فحسب، لكنه لم يتهم ولم يحاكم واعتبرت الغالبية العظمى أن تلك زلة لسان، كما أنه لم يسجن بتهمة إزدراء الأديان الشهيرة التى سجن بسببها أربعة أطفال أقباط بقرية الناصرية بالمنيا، لأنهم قاموا بتصوير «يوتيوب» من ثلاثين ثانية يسخرون فيه من «داعش» التى تؤدى الصلاة ظاهريا وتذبح الآخرين فعليا.

ولهذا قضت محكمة جنح الأحداث بمركز بنى مزار بحبسهم وهم باسم أمجد، وألبير أشرف، ومولر عاطف، لمدة خمس سنوات لكل منهم، وإيداع كلينتون مجدى بمؤسسة الأحداث، مع أنهم جميعا دون سن الثامنة عشرة، أى أنهم فى عرف القانون أطفال. وبينما ينص القانون فى مادته 98 على عقوبات متدرجة تبدأ بستة شهور، فإن المحكمة اتخذت أشد درجات العقوبة، بل ورفضت مبدأ الكفالة الذى يوقف تنفيذ الحكم لحين الاستئناف ولم يعامل الأطفال معاملة أبوإسلام أحمد الذى أحرق الانجيل علانية وحكم عليه فقط بستة شهور وكفالة، لدينا إذن قانون لمختلس الجنيهات الثلاثة، وقانون آخر للصوص المليارات، وقانون يحبس الأطفال بتهمة ازدراء الأديان، وقانون آخر يغض النظر عن ازدراء الوزير للأديان علانية، علاوة على تصريحات الوزير السابقة التى ازدرى فيها الإنسان المصرى متحدثا عن أنه ورفاقه «أسياد البلد»، وإصراره على أن «تعيين أبناء القضاة سوف يستمر سنة بعد سنة» لأنه لا مكان على حد قوله «لأبناء جامعى القمامة». والآن إما أن يكون لدينا قانون واحد يسرى على الجميع وتتم محاكمة الوزير، أو يتم إطلاق سراح الأطفال، ومن دون ذلك لن نسمع سوى معزوفة الفوضى والصخب وهى تصم آذاننا، وتقودنا إلى ما قال عنه ابن خلدون «خراب العمران».

■ كاتب وأديب