رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ازدراء الأديان «1-4»


إن القاعدة هى عدم التعليق على أحكام القضاء، ونحن لن نعلق على أحكام القضاء ولكن يجب ألا نصمت عن قوانين محاكم التفتيش التى تزدرى الإنسان وتصادر الحريات, إن الابتلاء بالتطرف مصيبة كل عصر ولكل عصر ضحاياه، تجرع سقراط للسم لا يختلف عن محاكمات جاليليو...

... ولايختلف عن مصادرة فكر ابن رشد وحرق مؤلفاته، ولا يختلف عن محاكمات نصر حامد أبوزيد، ومن المؤسف أنه باسم الأديان تم قتل وإزهاق أرواح الآلاف ممن فكروا فى فتح نوافذ الاختلاف عبر العصور، وباسم حماية الأديان تم مصادرة فكر آلاف مثلهم.

من المخجل أن نقول إن حرية الرأى والتعبير فى مصر مازالت تعانى العديد من الإشكاليات والقيود على أكثر من محور،فعلى الرغم من أن التعديلات الدستورية الأخيرة فى عام 2014م منحت للمصريين مساحات واسعة فى التعبير عن الرأى وتداول المعلومات وحرية البحث العلمى والفكر والاعتقاد، إلا أن تلك النصوص الدستورية على الرغم من جودتها، لم تترجم على أرض الواقع حتى الآن.

ومن المؤسف أن تتضافر مع حالات الاعتداء على حرية التعبير والفكر والاعتقاد عمليات تأييد شعبية واسعة لتلك الحالات، وهو أمر غاية فى الخطورة، حيث إن عملية التأييد الشعبى تلك، تمنح القائم على الانتهاك مظلة واسعة من الحماية، وهوما يؤدى دون شك إلى امتداد مساحات الانتهاكات قد تطول من أيد تلك الانتهاكات فى بدايتها.

ومن خلال النظر إلى الدستور المصرى فإننا نجد أن الدستور تحدث عن حرية الاعتقاد وأنها حرية مطلقة «م 64» كما أكد أن حرية الفكر والرأى مكفولة وأن لكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أوالكتابة أوالتصوير أو غير ذلك «م 65»، بالإضافة إلى أن الدستور أكد على التزام الدولة بكفالة حرية البحث العلمى «م 66» وكفالة حرية الإبداع الفنى، وأنه على الدولة أن تعمل على رعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك «م 67». ولا توقع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بسبب علانية المنتج الفنى أو الأدبى أو الفكرى، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أوالتمييز بين المواطنين أوالطعن فى أعراض الأفراد، فيحدد القانون عقوباتها.ومايحدث مع المفكرين المصريين من صدور أحكام قضائية بتهمة ازدراء الأديان على بعضهم، ذكرنى بما قاله يوسف إدريس ذات مرة: «إن الحرية المتاحة فى العالم العربى كله، لا تكفى كاتباً واحداً لممارسة إبداعه بشكل كامل، بعيداً عن القيود المتعددة التى يفرضها على الكتابة، الاستبداد السياسى، والتصلب الفكرى، والجمود الاجتماعى، والتعصب الدينى»، وعندما نقارن ما كان يحدث فى زمن يوسف إدريس وما يحدث اليوم، نلاحظ قدراً متزايداً من الوطأة القمعية لأشكال الرقابة، التى تؤثر فى النهاية تأثيراً سلبياً على حرية الفكر والإبداع. وللحديث بقية.