رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من الذى يتجرأ على تعديل نجيب محفوظ؟!


عام 1939 قام سلامة موسى بنشر رواية نجيب محفوظ «عبث الأقدار» وهو الاسم الذى اختاره لها المؤلف وظلت الرواية تطبع على مدار خمسة وسبعين عاماً بذلك الاسم إلى أن قررت دار الشروق مؤخراً نشر الرواية «ميسرة» للشباب بعنوان جديد هو «عجائب الأقدار»! وأثار ذلك غضباً واسع النطاق بصفته عدواناً على تراث الثقافة العربية وعلى أحد أعظم الكتب وأصدرت الشروق بيانا قالت فيه إن هذه الطبعة «موجودة ومتداولة فى الأسواق منذ عام 1989.. وقام بتبسيطها الأستاذ محمد المعلم وصدرت فى حياة وبموافقة واعتماد الأستاذ نجيب محفوظ.. وتتضمن تبسيطاً واختصاراً فى المتن وليس فقط تعديلاً بالعنوان وهو تبسيط تم بالاتفاق مع الأستاذ نجيب محفوظ وتحت إشرافه وباعتماده».

وما تقوله «الشروق» يظل كلاماً بلا دليل ما لم تبرز الدار موافقة نجيب محفوظ الخطية على تعديل عناوين كتبه ونصوصها، خاصة أن الكاتب العظيم كان شديد التدقيق فى اتفاقاته ومعاملاته ولم يكن يترك شيئاً من ذلك لأحاديث شفوية، فإذا لم تبرز «الشروق» وتنشر صورة من ذلك التصريح بخط وتوقيع نجيب محفوظ، فإنها تكون قد ارتكبت جريمة غير مسبوقة فى تاريخ النشر والثقافة بحق أكبر رأس أدبى فى العالم العربى. وحتى الآن تظل ادعاءات الشروق موضع شك كبير جداً، أما الحديث عن طبعة صدرت عام 1989 فإن أحداً لم ير مثل تلك الطبعة فى حينه، بينما تستطيع الشروق خلال ثلاثة أيام إصدار كتاب عليه تاريخ سابق بما لها من نفوذ وصلات. من ناحية أخرى فإن حياة وشخصية نجيب محفوظ تلقى بدورها بالشك على ادعاءات الشروق. ومن أسعده الحظ بالتعرف إلى الكاتب العظيم يعلم علم اليقين أنه كان متساهلاً فى كل شيء، فى تصريحاته للصحافة، وما يكتبه خارج الأدب، وفى مجاملاته للأدباء وإسباغه مختلف الألقاب عليهم، لكنه كان متشدداً إلى أقصى حد فيما يخص نصوصه الأدبية. ولا أعتقد أن محفوظ قد وافق على شيء مما تدعيه الشروق. وإذا افترضنا - وهذا مستحيل- أن لدى الدار موافقة فسيصبح السؤال هو: كيف قامت الدار بالتعديل؟! وهل أن عنوان الرواية الأصلى «عبث الأقدار» صعب على الشباب بحيث ينبغى تيسيره ليصبح «عجائب الأقدار»؟! أم أن الشروق اهتمت بمراعاة خاطر التيارات الإسلامية المتخلفة التى لا يفقه مريدوها شيئاً فى الأدب، ويتفحصون فى النص الأدبى كل كلمة وفاصلة وهمزة من منظور دينى وليس أدبى؟!

وقد سبق لكلمة الأقدار أن أثارت موجة من مثل هذه المعارضة المتخلفة من قبل عام 1967، حين جاء بيت فى قصيدة كامل الشناوى الشهيرة «لست قلبى» التى غناها عبد الحليم حافظ يقول: «قدر أحمق الخطى سحقت هامتى خطاه». وإذا كانت الشروق قد رأت أن من حقها أن تغير العنوان من باب التيسير، فلا شك أنها مضت فى التغيير من ذلك المنظور بحذف ما لا يروق لها وللتيارات الإسلامية المتخلفة داخل النص. الحق أن تاريخ النشر لم يشهد من قبل اعتداء أشد جرأة على تراث رائد ومؤسس الرواية العربية؟! والآن أسأل ما موقف «اتحاد الكتاب» الذى يصل شخيره إلى أقصى الدنيا كلما برز حدث يستدعى موقفاً محدداً؟ وما موقف وزارة الثقافة؟! أطالب بلجنة محايدة للتحقيق فى الجريمة.

■ كاتب