رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الخطاب الدينى الذى نريده «٢ ــ ٤»


... إن النظام فقد الشرعية الجماهيرية وقد أخذ فى التحلل خاصة بعد تزاوج الثروة بالسلطة وبعد ظهور الوريث ومنافقيه؟ لاشك أن ترهل نظام مبارك ووصوله إلى مرحلة الشيخوخة السياسية وبعد سيطرة المحاسيب على القرار وعلى مقدرات الوطن وبعدما أصاب مقياس توزيع الدخل القومى وقد صب فى صالح الأغنياء والمستثمرين والسماسرة والمحاسيب على حساب الغالبية الغالبة من جماهير الشعب المصرى فكانت المحصلة هى سيطرة النظرة المادية واستحواذ المصلحة الشخصية مع إسقاط المصلحة العامة.

فالكل يسعى إلى تحقيق مصلحته بكل الطرق غير القانونية وغير المشروعة وكان ذلك فى ظل دولة اللا قانون ودولة الفساد ووطن القادر والقوى مادياً وسلطوياً فهذا كان الحال والوضع ما قبل ٢٥ يناير وما بعده بالطبع فعندما تقوم هبة شعبية وانتفاضة جماهيرية بحجم ما حدث فى يناير ودون تنظيم سياسى ثورى يكون بديلاً للسلطة الساقطة ليحقق التغيير وليجسد الثورة وجدنا حالة سيولة سياسية أسقطت حاجز الخوف نعم وهذا مطلوب ولكن ونتيجة لمعطيات هذا الواقع قبل يناير وبعده وجدنا حالة فوضى تجتاح الوطن فى كل المناحى وعلى كل المستويات، حيث أحس الجميع أن الواقع السيئ والمرفوض يفرض تواجده والجميع يسلم بهذا دون مقاومة تذكر أو تغيير يشاهد فالحديث عن مقاومة الفساد أصبح شعارات جوفاء.

والحديث عن القانون ودولته أصبح مثل الكلام الساكت ودولة المواطنة لا تأخذ أى حيز غير مادة فى الدستور المصرى، فاستهان الجميع بالقيم بالرغم من فيض الحديث عن الدين والتدين ولكن فى إطار الشكل بعيداً عن المضمون واستهتر الكل بالقانون حيث إن الفساد قد تكرس وقد أصبح التعامل معه هو الطبيعى وغير ذلك هو الاستثناء ولذا نجد الآن وبكل وضوح أن الأنا والذاتوالمصلحة الشخصية والمطالب النقابية هى الأساس، أما المصلحة العامة وقضايا الوطن واحترام القانون فهذا هو الاستثناء الذى لا نراه وهو أخذ فى التلاشى والتوارى.

فما موقع الأنا والمصلحة الشخصية فى هذه القضية؟ بلا شك فالإنسان جبل على الذات وتعرف على مصلحته الشخصية والذاتية منذ نعومة أظافره فمن حق أى إنسان أن يسعى إلى تحقيق مصلحته الشخصية وإلى تحقيق ذاته فهذا إضافة لمصلحة المجموع، ولكن إذا تم تحقيق الذات والمصلحة الشخصية بعيداً عن مجمل المصلحة العامة وعن طريق إهدار القانون والاستهتار به فهذه هى المعضلة الأساسية.

ولذا فالطبيعى أن تحقق المصلحة الخاصة وأن تحل المشاكل الخاصة فى إطار وضمن منظومة تحقيق المصلحة الجماعية وحل المشاكل العامة وإن كان هذا يتم بلاشك فى إطار نسبى مقبول ومعلوم وبعيداً عن الاجتهادات الذاتية.. فالقانون هو الحاكم والحازم، هو الذى يحاصر الفساد ويقمع الفاسدين فهل نحن بالفعل دولة قانون؟ لاشك فالواقع الفاسد وسيطرة النظرة الخاصة والإصرار على تحقيق المصالح الشخصية وعلى حساب المصلحة العامة يؤكد أن القانون بالفعل فى أجازة مرضية طويلة ولذا نجد الآن أن الكل يتسابق على تحقيق المصلحة والانحياز للنقابة والتمترس وراء أهل المهنة الواحدة وكله على حساب القانون.

وكأننا قد أصبحنا دولة متعددة بأعراف متباينة لا دولة واحدة يحكمها القانون، ففى واقعة اعتداء أمناء الشرطة على أطباء مستشفى المطرية تجلى مشهد إسقاط القانون بامتياز فالأمناء انحازوا إلى زميلهم وتم الاعتداء وهذا إسقاط للقانون ومن هم حماة للقانون وكان من الطبيعى أن يتعاطف الرأى العام مع الأطباء، خاصة أن هذا الاعتداء تكرار واستنساخ لممارسات أمنية مرفوضة، بل تمثل خطورة ليس على القانون فقط بل على الوطن بأكمله ولكن واستمراراً لإسقاط القانون والاستهزاء به وجدنا الأطباء قد أضربوا عن العمل وقاموا بغلق المستشفى والأدهى أن نقابة الأطباء انحازت بل تطرقت فى الانحياز وناصرت الإغلاق وكأن موقفهم مما تم من أمناء الشرطة لابد أن يدفع ثمنه المرضى الغلابة خاصة أن مستشفى المطرية حكومى للغلابة وليس مستشفى استثمارياً.

ولا نعلم أى قانون هذا الذى تتعامل معه نقابة الأطباء؟ ولا نعلم أيضاً نتيجة قرار النائب العام الذى أمر بمحاسبة من قاموا بهذا الغلق؟ وعلى ذلك القياس نجد أن كل نقابة تدافع عن أعضائها بالحق وبالباطل وأعتقد أن الدفاع بالباطل هو السائد لأنه لو كان هناك قانون يحترم ويطبق ما كان هناك دور لهذه النقابات خاصة فى مواقف ووقائع وحوادث لا يحسمها غير القانون. فإلى متى سوف نتحدث عن محاربة الفساد وعن ضبط ايقاع المجتمع فى الإطار السليم والصحيح بل كيف نحقق الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة ونجسد المواطنة، بل كيف نحقق الثورة على أرض الواقع فى ظل إسقاط الجميع للقانون والاستهتار به جهاراً نهاراً.

وهنا الجميع مسئول ومدان فالاستهتار بالقانون لم تعد صوره كسر إشارة المرور أو عدم الاهتمام بنظافة الشوارع ولكن الاستهتار من الحكومة ذاتها بهذا القانون، فكم حكم صدر ضد الحكومة وقد تم تنفيذه؟ وهل يطبق القانون على الوزير مثل الغفير؟.. وللحديث بقية..