رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نشأة الأمن السياسى فى مصر «٢»


... تتعلق بمسلكهم، وأموالهم، واجتماعاتهم، وتصرفاتهم، ومنهم عمر مكرم والشيخ الشرقاوى وغيرهم، مما سهل لمحمد على مهمة التخلص منهم واحداً تلو الآخر بالنفى والعزل والموت، بعد أن واجههم بالمعلومات التى جمعها عنهم. أما القوة الثالثة فهم أولاد الأتراك والجراكسة والعرب ممن يمتلكون الأموال والأراضى أى طبقة الارستقراطيين.

وهؤلاء كانوا يجتمعون للسمر فى بعض البيوت الخاصة المجهزة خصيصا للمتعة، وهى منازل فيها الطباخون والراقصات والمغنون والمغنيات، وكل ما يجلب المتعة بمقابل لهؤلاء الأعيان.

وكان محمد على يخشى هؤلاء، ويخاف منهم. لأجل هذا طلب من نائبه لاظ أوغلى مراقبتهم، للوقوف على ما يفكرون فيه. لأجل هذا تفتق ذهن لاظوغلى عن فكرة قام بتنفيذها على الفور.

استعان الأخير بعدد من المخبرين، بعضهم يجيد اللغة اللغة التركية، وأناط بهم بوسائل شتى أن يدخلوا البيوت التى يسهر فيها الأتراك والجراكسة والعرب بصفتهم باعة لما يحتاجه الناس فى الليل، بعضهم يحمل كعكاً وبيضاً، والبعض الآخر يحمل حب العزيز واللب بأنواعه، والبعض الآخر أنواعاً من اللوز والبندق المقشر وأمثال ذلك، وكل هذه الأصناف من مال الحكومة، فيتردد هؤلاء الباعة على الساهرين فى الليل من ذوى اليسار، من أصحاب البيوت الواسعة التى يفد الناس إليها لقضاء السهرة فيها، وفى أمثال هذه البيوت تكون الخادمة تعبت والطباخون والطباخات بارحوا تلك البيوت، والناس لطول سهرهم يحتاجون إلى طعام، فيفد عليهم هؤلاء يمدونهم بما يحتاجون إليه، وهم يعون ما يقولون، وربما أدى المزاح بهم إلى رمى بعض ما يحمله هؤلاء أو غير ذلك فلا يجدون إلا التحمل وطول بال، يتوصلون به فى أثناء الوعى بكل ما يقال فى السهرة بحسب الاستطاعة. يقوم هؤلاء المخبرون بجمع وتدوين جميع المعلومات والكلمات التى يسمعونها أثناء الليل من الساهرين.

وعند مبارحة المكان، وقبيل الفجر يدونون ما سمعوه فى تقارير، ويلقونها فى فتحة من باب بيت كان معروفاً من عهد غير بعيد، بمنزل قفطان باشا، غرب منزل مصطفى باشا الكريتلى، فى الساحة التى أمام مقام وضريح السيدة زينب، وهذه الفتحة فى داخلها مخلاة، تتدلى داخل الحجرة، وكان كل مخبر منهم يصل فى ميعاد معين لوضع تقريره فى تلك المخلاة، وباب هذا البيت مفتاحه عند لاظوغلى نفسه، وكانت تقيم فى هذا البيت سيدة لها دراية واسعة باللغتين العربية والتركية، وهى السيدة التى تم جلبها من تركيا لتعليم محمد على باشا مبادئ اللغة العربية وقراءة اللغة التركية وكتابتها. لم يكن هؤلاء المخبرون يعرفون لمن ترسل هذه التقارير وما الفائدة المتحصلة منها، ولا لحساب من يعملون، ولا هذه السيدة تعرف من هم الواضعون لتلك التقارير. «يتبع».