رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هيلين كيلر المصرية .. فى البرلمان !


... وجدت ـ وياللروعة ـ أن بيننا من تنافس الأمريكية الأديبة الدكتورة هيلين كيلر، التى تعتبر أحد رموز الإرادة الإنسانية، حيث إنها كانت فاقدة السمع والبصر، واستطاعت أن تتغلب على إعاقتها وتم تلقيبها بمعجزة الإنسانية لما قاومته من إعاقتها، حيث إن مقاومة تلك الظروف كانت بمثابة معجزة، وغادرت عالمنا وهى تحمل فوق أكتافها أعوام عمرها الثمانية والثمانين.

و«هيلين كيلر» المصرية ـ مع الفارق ـ هى الدكتورة هبة هجرس - الخبيرة الدولية فى مجال حقوق ذوى الإعاقة - وإحدى عضوات برلمان الأمل فى 2015 عن دائرة قصر النيل، وقد بدأت الدكتورة هبة هجرس فى التحدى لكل المعوقات منذ أن كانت فى التاسعة من عمرها، عندما أصيبت بمرض الروماتويد الذى تسبب لها فى تآكل وخشونة فى المفاصل، وبعد رحلة علاج طويلة داخل وخارج مصر فى أفضل المستشفيات وعلى أيدى أمهر الأطباء فى العالم، وأمام إجماع كل من كشف عليها من الأطباء على أن الصغيرة سوف تقضى حياتها ملازمة لكرسى متحرك، راح الأب والأم يتعاملان بإيجابية مع وضع طفلتهما الجديد، ولكنها لم تتوقف عن الصمود والأمل فى الحياة، فحصلت على درجة الدكتوراة فى السياسات الاجتماعية تجاه الأشخاص ذوى الإعاقة من جامعة ليدز البريطانية عام 2010. ومثلت المرأة المعاقة فى مجلس المنظمة العربية للمعاقين لعشر سنوات متتابعة، علاوة على مشاركتها فى وضع الاستراتيجية الوطنية للأشخاص ذوى الإعاقة لمملكة البحرين، ثم ختمت بالتحاقها بالجامعة الأمريكية قسم إدارة الأعمال، وهى الآن تشغل منصب الأمين العام للمجلس القومى لشئون الإعاقة، الأمر الذى يعتبر بمثابة بارقة أمل جديدة للأشخاص ذوى الإعاقة والمهتمين بمجال حقوق المعاقين، وتعتمد فى هذا على تاريخ طويل يؤهلها ـ فى تصورى ـ لأن تقدم الكثير للمجلس القومى بتدعيم دوره فى الحصول على حقوقهم فى مصر ، وقد نجحت برغم إعاقتها الحركية فى أن تصبح خلال السنوات الأخيرة واحدة من أشهر مصممات الأزياء، بعد أن تخصصت فى إحياء ونشر الزى التراثى المصرى «الجلابية»، كشكلمن أشكال التراث المصرى الأصيل الذى يحافظ على الهوية المصرية، لتقبل عليه الكثير من سيدات المجتمع الراقى، ليس فى مصر فحسب، وإنما فى مختلف بلدان العالم العربى، إضافة إلى دفاعها عن ذوى الإعاقة، وشاركت فى صياغة مسودة المادة 7 عن المرأة ذات الإعاقة بالأمم المتحدة.

وما يسعدنى ويثلج صدرى، أننى أشرت فى عدة مقالات سابقة إلى أهمية وخطورة دور المرأة الفاعل على الساحة المصرية، وقلت إن النساء قادمات وبكل الجدية لمزاحمة عالم الرجل بالأكتاف المشروعة فى الحياة السياسية، وهاأنذا أجد طموحاتى وأحلامى تتحقق بشغل النساء لمقاعد مجلس النواب وحتى المعاقة منهن، بخاصة بعد اكتساب حق المعاقين بدنيًا ـ وبنص الدستور ـ فى المشاركة العملية فى الساحة السياسية المصرية التى غابت المرأة عنها طويلاً. فأصبح لهم إحدى عشرة مادة واضحة وصريحة، منها المادة 53: «المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أوالجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعى، أو الانتماء السياسى أوالجغرافى، أو لأى سبب آخر، وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كل أشكال التمييز».

إذن .. فإن نضال المرأة المصرية وحصولها على جميع الحقوق السياسية والاجتماعية وانضمامها للبرلمان، أصبح مرهونًا بقدرتها على الاستمرارية والقدرة على التصدى لمحاولات تهميش دورها فى المستقبل، خاصة المواجهة الضرورية لبعض القوى والنخب السياسية الجديدة التى طفت على قشرة المجتمع المصرى بعد ثورة يونيه، للاستئثار بالساحة السياسية، ولكن بالصمود والتحدى خاصة من متحدى الإعاقة من السيدات اللائى اقتحمن هذا المجال وأثبتن جدارتهن، فإن عليهن الاستمرار الدءوب فى المحافظة على تلك المكانة التى تقدس دور المرأة فى المجتمع.

وأخيرًا.. أرجو ألا يتم اتهامى بالتعصب للمرأة المصرية ـ وهذا شرفٌ لا أنكره ـ لأننى من جنسهن، ولكن لدى قناعتى الخاصة بأن الرجل يولد مرتين: مرة من امرأة تعطيه الحياة «أمه»، ومرة من امرأة تعطيه الحب «زوجته»، فالأولى تعطيه حياته والثانية تعطيه حياتها، ومع هذا يوصمهم بعض ضعاف العقول بأنهن ناقصات عقلٍ، فكيف وصلت بتلك الصفة إلى أعلى المناصب والمراتب بكل هذه الجدارة والاستحقاق، فكيف لو كان عقلها كاملاً؟ أيها السادة: انصفوا المرأة فى مجتمعنا، فالعالم بلا امرأة كعين بلا بؤبؤها، كحديقة بلا أزهار، كالشمس بلا أشعة. ودعونى أذكركم بأن : النساء قادمات حتى ذوات الإعاقة منهن!