رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اللاجئون ... وعلماء اللغة


تعود علماء اللغة عندنا على تكريس مصطلحات أدبية،
ولكنهم لم يتعودوا على تكريس المصطلحات السياسية.
هذا المصطلح المألوف لدينا فى علوم السياسة، انطلق
من بين أنين العالقين على حدود الدول الأوروبية، والذين
تجمدت أوصالهم فى مخيمات الحدود السورية الأردنية،
والهاربين من جحيم داعش، إلى جحيم الحشد الشعبى
فى العراق، ومن المختبئين من سيوف الحوثيين إلى قنابل
ورصاص التحالف، والتائهين فى جبال اليمن. ومن قصور
الحكام العرب، إلى أروقة ومكاتب الأمم المتحدة ووزراء
خارجية الدول المعنية، وملايين الأوراق والرسائل المتبادلة،
ومن سباقات الخيول الفارهة، إلى سباقات الهجن إلى رالى
الفراعنة، ومسابقات ملكات الجمال.
أزف إليهم هذاالمصطلح، وقبلها أعلن لكم، أننا فقدنا
الثقة والاعتبار، فى أى مصطلح سياسى يكرس إرهابا،ً أو
يعضد طائفية، أو يجلب لنا مزيداً من التناحر بين أبناء
البلد، أو يشترى مزيداً من السلاح والذخائر والمدافع.
لقد تعودنا كعرب على مصطلح وكلمة اللاجئين، وتداولناه،
ولم تعد كلمة جديدة علينا، فقد شملها قاموسنا السياسى
منذ نكبة البرامكة قديما،ً حتى نكبة ١٩٤٨ حديثا،ً يوم
أن عجز ملوكنا ورؤسانا ومعهم النشامى، عن إدارة أول
أزمة أممية تصادفهم فى القرن العشرين، الذين حملوا
نياشينهم وأوسمتهم لميدان القتال، ثم تركوه مباحا ومفتوحاً
أمام اليهود ليتغلغلوا. وسمحوا لمفردات لغتنا أن تستوعب
كلمة جديدة فى قواميس لغتنا، وصارت مصطلحا يصلح
لكل زمان ومكان، ولم تعد تلك الكلمة تؤذى أحداً، أو تضر
أحداً، طالما هناك من بتبرع لبناء خيام أو جمالونات أو
هناجر، تسع لآلاف المهجرين والمهاجرين والعالقين، من
أبناء الدول العربية وحدهم. لقد سئمنا أطروحات الدفاع
عن القرارات الهوجاء، التى وضعتنا تحت رحمة مصطلح
اندثر من قواميس اللغات الأجنبية، ليترعرع من جديد فى
أشعارنا وروايتنا. وحتى مسلسلاتنا الدرامية. وجعلت وطناً
عربيا يتمزق كخرقة بالية.
ومن صفحتى ومن جهازى الذى أكتب عليه، أقدم تحية
عاطرة لكل من سهم فى تكريس هذا المصطلح الذى أصبح
عربيا خالصا.ً وأعيب على كل منظمى ومسئولى جوائز
العرب، فى ثقافتهم ومنتدياتهم، وأقول لهم بالفم الواسع، أنتم
متقاعسون عن منح جائزة الأدب لمخترع هذا المصطلح،
وجائزة أخرى لمن كرسه، وثالثة لمن جعله يستمر وينموا
ويتداول، كلها موضوعات تستحق أن نعلن عن مؤتمرات
لبحث تكريس هذا المصطلح الجديد، وكيفية توظيفه فى
أمور أخرى خلاف الساسة، ولنبحث استخداماته المستقبلية
مع مشتقاته من المصطلحات التى تولدت عنه، مثل العالقين
والهاربين والمشردين والمتاجرين والمغيبين، والنائمين تحت
الكبارى، وعلى أرصفة الشوارع، ومحطات السكة الحديد،
والمنسيين فى السجون.
ولا تسعفنى ذاكرتى الضئيلة لاشتقاق مصطلحات أخرى
تعيننا، على تحمل فكرة نضوب قريحتنا الشعرية والأدبية،
التى داستها سنابك الخيول فى ساحات السباق، ونجيل
ملاعبنا التى أصبح لونها يجلب البهجة، عندما تسفك عليها
دماء المتفرجين، لتصبغ اللون الأخضر باللون الأحمر دم
الغزال. لقد أضفنا إلى الحضارة من مصطلحاتنا، التى
جعلت كل مؤسسات العالم الحر تستنفر، وتنهض، وتنظر
من نوافذها وشرفاتها، لترى أعظم خيبة فى التاريخ، وهى
تتهادى فى منطقتنا العربية وحدها. ولترى دموع نساء العرب
التى تحجرت كمداً، على غياب مهند التركى، الذى أصبح
شيخا مغيبا،ً وينتظر بفارغ الصبر أن يعمل سكرتيراً للخليفة
البغدادى الذى تربع على رقاب قتلى العرب.