رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كردستان واحة التعايش بين المكونات «٢»


تعرضنا فى المقال السابق لطبيعة شعب كردستان بكل مكوناته، حيث أتيحت الفرصة لى وبعض الأصدقاء للسفر إلى كردستان لمدة ثلاثة أيام خلال شهر نوفمبر الماضى، وكانت المهمة هى المشاركة مع القيادات المسئولة عن كتابة دستور إقليم كردستان، وهو إقليم، أى جزء من دولة ينفرد بكتابة دستور خاص وبالتالى برلمان خاص به...

... وذكرنا كيف أنهم لا يعرفون تعبير أقليات بل كل مكونات شعب واحد وكل فريق مقدر بكونه مكوناً للشعب الكردستانى مقدر بشراكة للإقليم بمكوناته لا بأعداده أو لغته أو ديانته، كما تعرضنا أيضا لمعتقدات اليزيديين فتشير هنا إلى بعض معتقدات جماعة «الكاكائية» وهى عقيدة علوية صوفية عراقية مسلمة شيعية تأثروا بالأديان المحيطة بهم واسم هذه الديانة مشتق من الكلمة الكردية «كاكا» ومعناها الأخ الأكبر ومؤسس هذه الديانة هو سلطان إسحاق بن عيسى البرزنجى ومدفنه يعد مزارا مقدسا كاكانيا فى جبل «هاورامان» ويؤمن اتباع الكاكائية بالإله الواحد المعلن فى ثلاثة مظاهر، أو إعلانات هم «الكبيروالوسط والصغير»

كما يؤمنون بان الروح القدس هو الذى خلق مريم العذراء بواسطة الملاك جبرائيل كما أنهم يعظمون شخص موسى أعظم تكريم حتى إنهم يقسمون به ويضعونه فى مرتبة أعلى من كل الأنبياء حتى إنهم يعتقدون أن موسى هو المسيح ولهذا فهم يحبون المسيحية والمسيحيين ولا يعددون الزوجات، كما أن الكاكائية تقترب اكثر من العلوية الصوفية المسلمة يكبرون بل يهيمون بشخص الإمام على ابن أبى طالب مع شديد تأثرهم بالاديان المحيطة بهم ويقتربون إلى التصوف وأيضاً من الدراويش.

ورأيت أن أقدم للقارئ نص مقدمة الدستور الذى لا يزال مسودة لم تنته اللجنة من الاتفاق الكامل حولها آملين أن يتكرر حوارنا معهم والذى لا يزال مفتوحاً لزيارة أخرى قريباً إنما أرى فى هذه المقدمة شرحا وافيا حول طبيعة هذا الشعب المنفتح على كل مكوناته دون تفرقة أو تمييز للبعض على البعض الآخر لأى سبب كان، بل الجميع شركاء الوطن معا ،دفعوا الثمن غاليا من دماء الاطفال والنساء والشباب والكهول وآن لهم أن يجنوا ثمار كفاحهم ومعاناتهم فى وطن هو ملك لكل مكوناته.

ديباجة الدستور المقترح والقابل للحوار..

الديباجة نحن شعب كردستان العراق الذى عانى من جور وظلم لعقود من حكم أنظمة دكتاتورية بالغة الغلو فى مركزيتها، سلبتنا حريتنا وجردتنا من حقوقنا الطبيعية، هبة الله لبنى البشر واستكثرت علينا ما أقرت به المواثيق الدولية من حقوق مدنية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية للإنسان، وكنا قبلها ضحية للمصالح الدولية بعد أن حرمتنا من حقنا فى تقرير المصير وتحديد مركزنا السياسى والقانونى بإرادتنا بخلاف ما تمتعت به الشعوب التى انسلخت عن الامبراطورية العثمانية بعيد الحرب العالمية الأولى إستناداً إلى مبادئ الرئيس الأمريكى ويدرو ويلسن الأربعة عشرة فحينما أقرت اتفاقية ســيفر سنة 1920 بحق الكورد فى تقرير مصيرهم ضمن موادها «62و63و64» نسخت باتفاقية لوزان سنة 1923 وحينما تأكد للجنة التحقيق لعصبة الأمم بأن كردستان الجنوبية المسماة فيما بعد بكردستان العراق لم تكن جزءًا من العراق العربى يوماً من الأيام وإن مطالبة وادعاء الدول المجاورة بها لا تدعمه وقائع التاريخ وتفنده الكتب والخرائط المعدة من قبل المؤرخين والجغرافيين العرب القدماء وخرائط الأوروبيين فى القرنين السادس عشر والعشرين وتأكد لها أن حدود العراق لا تمتد شمالاً أبعد من منطقة جبل حمرين كما وأنها لم تكن جزءًا من الأناضول وردّت بذلك حُجج المطالبين بضمها إلا أنه ورغم ذلك تم إلحاق كردستان بالعراق العربى لمقتضيات مصالح دولية دونما استطلاع لرأينا أو استفتاء لإرادتنا، وحينما أقرت حكومة العراق جزئياً بحد أدنى لبعض حقوقنا فى تصريحها الصادر بتاريخ س/1932 وكان التزامها هذا ذا طبيعة دولية حيث منعت المادة العاشرة منه تعديله أو إلغاءه إلا بموافقة غالبية أعضاء عصبة الأمم ورغم أن التزام الحكومة العراقية هذا بقى نافذاً تجاه الأمم المتحدة بعد تأسيسها إلا أنه بقى حبراً على ورق، وإن سياسة القمع تصاعدت سنة بعد أخرى على مدى أكثر من ثمانية عقود لم توقفها أو تحد منها ما سطر فى دساتير العراق المتعاقبة من نصوص وأحكام أقتبست من الإعلانات والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان والتى تتغنى بالعدل والمساواة والشراكة والحرية وتكافؤ الفرص بدءًا من دساتير 1958، 1964، 1968، 1970وانتهاء بمشروع دستور 1990 بل إن الحكومات المتعاقبة تعدت كل الخطوط الحمراء ولم تتوقف عند حد تجاهل حقوقنا القومية بل تعدتها إلى مرحلة ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقى فتوجت سياساتها بإزالة مايربو على أربعة آلاف وخمسمائة قرية عن بكرة أبيها وتغيير الواقع الديموغرافى لأجزاء واسعة من كردستان بتهجير مواطنى كردستان قسراً عما تبقى من مدنهم وقراهم وحملهم على تغيير قوميتهم وانتهاج سياسة التصفية الجسدية باستخدام الأسلحة الكيمياوية فى مدينة حلبجة الشهيدة ومناطق باليسان وبهدينان وعشرات المواقع الأخرى، وساقت الآلاف من شبان الكورد الفيليين إلى حتفهم فى حقول التجارب الكيميائية والمقابر الجماعية بعد أن هجّرت عوائلهم إلى خارج العراق وأسقطت عنهم الجنسية العراقية وتبعتها بحملات الإبادة بحق البارزانيين وحملات الأنفال التى راح ضحيتها أكثر من 182 ألف إنسان مدنى أعزل من شباب وشيوخ ونساء وأطفال..