رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تجديد الفكر الدينى أو الكارثة «2-2»


فى المقال السابق ذكرنا أن دول أوروبا ستعيد حساباتها وفقاً لما حدث فى باريس، وستتعامل مع شعوب المنطقة العربية بطريقة مختلفة عن ذى قبل، فلقد بات من المؤكد أن المنطقة العربية أصبحت فى كل يوم تخسر علاقات مع العالم، بسبب الإرهاب وبسبب ثقافة الكراهية لكل من هو مغاير دينياً وثقافياً وحضارياً...

... وفى مقال اليوم نستكمل الحديث عن ضرورة مكافحة الإرهاب، إن ما يفعله تنظيم «داعش» الإرهابى الدموى من قتل وذبح وتدمير، وما تفعله الجماعات المتطرفة فى معظم البلدان العربية يؤكد أن العقل العربى تمكنت منه جرثومة الإرهاب، ونكرر ولن نمل التكرار، أنه لا يمكن لنا بأى حال من الأحوال أن نقضى على جرثومة التخلف والإرهاب، وأن نخرج من هذا النفق المظلم إلا بتجديد الفكر الديني، فبدون تجديد الفكر الدينى لن ينصلح الحال فى واقعنا العربى والبديل هو الكارثة، والتدمير والخراب فى الداخل والخارج.

وتجديد الفكر الدينى لن يتم دون أن يكون العقل هو المرجع للنصوص الدينية، وإذا كان العقل هو مرجعنا فى فهم النصوص الدينية فهو مرجعنا أيضاً فى فهم الواقع واكتشاف قوانين الطبيعة وفى الاستفادة من التجارب والخبرات، وفى التصدى للمشاكل والعمل على حلها، وهذا معناه أننا سنصبح مواطنين أحرارا ولسنا قطعاناً تخاف وتطيع وتسمع للأصوليين الدينيين المتطرفين لأن الاحتكام إلى العقل يحرر المؤمنين من سلطة رجال الدين.

فالفكر الدينى لن ينصلح دون أن ينتصر للعقل، ودون أن يحتكم له فى فهم النصوص الدينية، ومن المهم أن يلجأ العقل إلى التأويل الذى يزول به ما يبدو أحياناً من تناقض بين ما يقوله النص وما نعرفه بعقولنا وتجاربنا، والتأويل- كما يعرفه البلاغيون- هو إخراج المعنى الذى يدل عليه اللفظ من الحقيقة إلى المجاز، فاليد كلمة تشير إلى هذا العضو الذى نمسك به الأشياء ونتمكن من الوصول إلى ما نريد، وهذه هى دلالتها الحقيقية التى ننتقل بها أو نجتاز إلى الدلالة المجازية، أى إلى الإشارة لفعل اليد ووظيفتها بدلاً من الإشارة إلى جسمها، وعلى ذات القياس فإن وجدنا فى النص الدينى ما لا يتفق مع العقل، أومع قيم الحب والخير والجمال، وجب علينا أن نؤوله، أى نفهمه بالمعنى الذى لا يتعارض فيه الكلام مع ما نعرفه ونثق فى صحته.

إن العقل العربى سقط فى ثقافة الكراهية عندما رفض التأويل، وعندما استسلم للنقل والتقليد والطغيان، وتنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية حول العالم يقتل ويذبح ويحرق لأنه محكوم بأفكار الأصوليين الدينيين وبفقه ابن تيمية الذى عاش فى القرن الثالث عشر، ففكر ابن تيمية القائل: «بأن تأويل النص الدينى هو بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة فى النار»، هو الأساسالذى قامت عليه الحركة الوهابية فى القرن الثامن عشر، وجماعة الإخوان المسلمين فى القرن العشرين، ومن هنا فلاحل ولا ملاذ إلا فى إحياء التراث العقلانى، حيث إنه هو الحل فى مواجهة الأصولية الدينية التى رسخ لها ابن تيمية.

فهل من مثقفين شجعان فى عالمنا العربى يقومون بشجاعة وبسالة على التأويل وتجديد الفكر الدينى قبل أن يقضى الأصوليون على الأخضر واليابس فى الداخل والخارج؟!