رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التسامح وحق الاختلاف «3-3»


عدم التسامح يعنى التمييز بحجة الأفضلية ومنع الاجتهاد وتحريم وتكفير أى رأى حر، خصوصاً ضد ما هو سائد، وأحياناً تزداد اللوحة قتامة فى ظل الدين الواحد عبر التعصب الطائفى أو المذهبى فى محاولة لإلغاء الفرق والمذاهب والاجتهادات الأخرى...

...حسب إعلان اليونسكو فالتسامح يعنى: الاحترام والقبول والتقدير للتنوّع الثرى لثقافات عالمنا ولأشكال التعبير وللصفات الإنسانية لدينا، وهو يتعزز بالمعرفة والانفتاح والاتصال مع الآخر وحرية الفكر والضمير والمعتقد. وإذا ما استعرضنا بعض العوامل المانعة لنشر قيم التسامح، فعلى الصعيد الفكرى قد يوجد حجب وتحريم حق التفكير والاعتقاد والتعبير لدى الآخر، بفرض قيودوضوابط تمنع أو تحول دون ممارسة هذه الحقوق، وأحياناً تنزل أحكاماً وعقوبات بالذين يتجرأون على التفكير خارج ما هو سائد أو مألوف سواءً عبر قوانين مقيّدة أو ممارسات قمعية تحت مبررات شتى.

وعلى الصعيد الدينى فإن عدم التسامح يعنى التمييز بحجة الأفضلية ومنع الاجتهاد وتحريم وتكفير أى رأى حر، خصوصاً ضد ما هو سائد، وأحياناً تزداد اللوحة قتامة فى ظل الدين الواحد عبر التعصب الطائفى أو المذهبى فى محاولة لإلغاء الفرق والمذاهب والاجتهادات الأخرى، بل فرض الهيمنة عليها بالقوة. واجتماعياً فإن عدم التسامح يعنى فرض نمط حياة معينة بغض النظر عن التطورات العاصفة التى شهدها العالم، لأنماط متنوعة، مختلفة، متداخلة، متفاعلة، وأحياناً يتم التشبث بسلوك وممارسات عفا عليها الزمن وأصبحت من تراث الماضى. التسامح واللاتسامح ليس لصيقاً بتراث أو مجتمع، إنه يمتد عبر العصور فلا هو غربى ولا هو شرقي. ورغم أن الأديان جميعها تعلن تمسكها بالتسامح، فإن الحروب والإبادات استمرت عبر التاريخ وتمت فى الكثير من الأحيان باسمها وتحت لوائها.

يمكن القول إن كل المجتمعات البشرية تحمل قدراً من اللاتسامح سلبياً أو إيجابياً، لكن الفرق بين مجتمع وآخر هو فى مدى اعتبار التسامح قيمة أخلاقية وقانونية ينبغى إقرارها والالتزام بها حتى وإن كان البعض لا يحبّها، واعتبر غاندى التسامح هو القاعدة الذهبية فى التعامل مع الآخر، لأننا لا نفكر جميعاً بنفس الطريقة ولا ندرك إلاّ جزءاً من الحقيقة ومن زوايا مختلفة.

أما الفرق الثانى بين المجتمعات المفتوحة التى توافق على التسامح وبين المجتمعات المغلقة التى لا تزال تتمسك باللاتسامح وبتهميش أو إلغاء الآخر، فإن بعض المجتمعات تستطيع إدارة التنوّع والتعددية الثقافية والدينية واللغوية والاجتماعية وغيرها، فى حين تخفق أو تعجز فيها مجتمعات أخرى، ويوجد فى العالم اليوم تعدديات وتنوعات دينية وثقافية واجتماعية.....الخ، الأمر الذى يستوجب أن تكون الدولة هى الحاضن الأكبر للتسامح، وهو يتطلب إعادة صياغة العلاقة بين الأنا والآخر على أساس المواطنة والمساواة الكاملة، ومن خلال التربية والاستفادة من المخزون القيمى للأديان وللفطرة الإنسانية، وهو ما ينبغى أن ينعكس على الصعيد الدولى أيضاً. ألم يحن الوقت لعالمنا العربى لأن يدرك أن المجتمعات الإنسانية تزدهر بقدر حرصها على مبدأ التنوع والتعدد وقبول الخلاف والاختلاف، وأن أحوالها تتدهور عندما تقاوم هذه الشروط الأساسية وعندما تقلل من شأن التنوع والتعدد وقبول الاختلاف؟!