رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التسامح.. وحق الاختلاف «2-3»


يجب أن يمارس التسامح من قبل الأفراد والمجموعات والدول، ولا تعنى ممارسة التسامح القبول بالظلم الاجتماعى أو نبذ أو إضعاف معتقدات المرء، بل يعنى أن الشخص حر فى تمسكه بمعتقداته وفى نفس الوقت يقبل تمسك الآخرين بمعتقداتهم...

... يحتفل العالم اليوم 16 نوفمبر باليوم العالمى للتسامح، وكما ذكرنا فى المقال الماضى أنه منذ عام 1996 واستناداً إلى «إعلان مبادئ بشأن التسامح» ذلك الإعلان الذى اعتمده المؤتمر العام لليونسكو فى دورته الثامنة والعشرين، باريس، 16 نوفمبر ،1995 والأمم المتحدة تحتفل باليوم العالمى للتسامح، وذكرنا أن المقصود بالتسامح هو اعتراف وقبول للاختلافات الفردية، وهو احترام وإقرار وتقدير التنوع الغنى لثقافات عالمنا، ولأشكال تعبيرنا وطرق ممارستنا لآدميتنا، وذكرنا أن التسامح ليس واجباً أخلاقياً فحسب ولكنه أيضاً متطلب سياسى وقانونى، وفى مقال اليوم نستكمل حوارنا حول هذا الموضوع المهم، التسامح ليس تنازلاً أو تعطفاً أو تساهلاً ولكنه قبل كل شىء هو الإقرار بحقوق الإنسان العالمية والحريات الأساسية للآخرين، ويجب أن يمارس التسامح من قبل الأفراد والمجموعات والدول، ولا تعنى ممارسة التسامح القبول بالظلم الاجتماعى أو نبذ أو إضعاف معتقدات المرء، بل يعنى أن الشخص حر فى تمسكه بمعتقداته وفى نفس الوقت يقبل تمسك الآخرين بمعتقداتهم، إنه يعنى إقرار حقيقة أن البشر فى تباينهم الطبيعى من حيث المظهر والحالة واللغة والسلوك والقيم لهم الحق فى العيش فى سلام وأن يكونوا كما هم ويعنى أيضاً أن آراء المرء لايجب أن تُفرض على الآخرين.. من كل ما سبق يتبين لنا أن التسامح يعنى أن هناك تعدداً وتنوعاً فى المجتمع أياً كانت طبيعته، وأن التسامح يعنى قبول الاختلاف، وأن التسامح نقيضه هو التعصب والذى ينفى الاختلاف ويسعى للبحث عن التماثل وإنكار أى شكل من أشكال التنوع والاستقلال، فالتعصب هو اتجاه نفسى لدى الفرد يجعله يدرك فرداً معيناً أو جماعة معينة أو موضوعاً معينا إدراكاً سلبياً كارهاً، ولذلك فإن المتعصب يتخذ موقفاً متشدداً فى الرأى تجاه فكرة يعتبرها الحقيقة المطلقة الوحيدة، وكل ما عداها خطأ فادحاً، والتعصب أولاً وقبل كل شىء يعتبر نزعة ذاتية أنانية «نرجسية» كامنة فى كل كائن بشرى، ولكنها تطفو إلى السطح وتبرز إلىالواقع حين يتهيأ الجو الملائم لها، حين تواجه الذات «الأنا» بالآخر وتتصور أنه تتوقف على هذا الصراع مسألة الوجود من عدمه ، إن التعصب هو تقديس للأنا وإلغاء للآخر، فكل ما تقوله «الأنا» يدخل فى حكم الصحيح المطلق، وكل ما يقوله الآخر يدخل فى حكم الخطأ، ويقود هذا إلى موت لغة التواصل والحوار بين البشر، وحين يموت منطق الحوار تنطق الحراب والبنادق وتحفر الخنادق وتستباح الدماء، إن التعصب انغلاق وانكفاء نحو الداخل وارتداد على الذات وتقوقع فى زاوية ضيقة، ورؤية قاصرة للكون .

ولذلك فإنه منذ عام 1996 والأمم المتحدة، استناداً إلى إعلان اليونسكو 1995، تحتفل باليوم العالمى للتسامح، الذى يعنى فيما يعنيه أن المجتمع البشرى بحاجة إلى نشر وتأصيل قيم التسامح كمنظور إنسانى وأخلاقى، لا يمكن تقدّم المجتمع الدولى والإنسانى من دونه، إذ لا يمكنه الخروج من غلواء التطرف والتعصب واللاتسامح، إلاّ بتعميم فكرة قبول الآخر، حتى وإن تناقض مع رأى «الجماعة»!.. وللحديث بقية.