رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المشروع الحائر


لم يعد الصرف الصحى فى المدن والقرى المصرية ترفاً. ولكنه أصبح ضرورة ملحة، ولا يمكن لأى مدينة ولا قرية، أن تستغنى عنه. الصرف الصحى، ضرورى فى البلاد التى فيها مجارى مائية كنهر النيل والترع والمنتشرة والمتفرعة منه، وفيها أيضاً أرض زراعية تروى بالغمر، أى تطلق فيها المياه. لأجل هذا تكونت كميات هائلة من المياه الجوفية...

... المشكلة أن معظم محطات مياه الشرب عندنا فى الصعيد، وأيضاً فى بعض مدن الشمال، تقوم على فكرة سحب المياه الجوفية من أعماق سحيقة، وهى تضمن أنها مياه نقية وصافية. ولكن فى العشرين سنة الأخيرة، زادت كمية المياه الجوفية بفعل الزيادة السكانية وبدأت تظهر على حوائط المبانى والمنازل المنخفضة. وبدأت تشكل مشكلة حقيقية، ومن هنا نشأت مشكلة المياه الجوفيةالتى تؤثر على المبانى والبيوت القديمة، وأيضاً على المياه التى نشربها. لأن الناس بدأت تحفر آباراً عميقة لأجل أن تصرف فيها مياه الصرف، ونخشى أن تصلك تلك الأعماق إلى الأعماق التى تسحب منها محطات مياه الشرب.. ليس من المعقول أن تستمر مشكلة الصرف الصحى فى مدينتنا ديروط أكثر من عشرين عاماً. أصبحت شوارعها تلالاً من الأتربة والقاذورات، بسبب عدم رصفها لعدم اكتمال الشبكة، وتراكم نواتج الحفر... كما تحولت شوارعها القديمة إلى مستنقعات من برك مياه الصرف الصحى، وظهرت فى مبانيها الجديدة، طبقات من مياه الرشح ارتفعت إلى أكثر من متر، وأصبحت تهدد البيوت القديمة والجديدة على السواء. كما عجزت حملتها الميكانيكية، وسياراتها عن تلبية الطلبات المتزايدة من الصرف الصحى باستخدام سيارات الكسح، والأخيرة انتهى عمرها الافتراضى ولم تعد قادرة على تلبية الاحتياجات المتزايدة. الغريب فى الأمر أن مدينة القوصية المجاورة لديروط، ولا تبعد عنها أكثر من عشرة كيلومترات، وهى تتبع محافظة أسيوط أيضاً، بدأ مشروع الصرف بها بعد أن بدأ بديروط، ولم يستغرق سوى خمس سنوات فقط، وانتهى قبل أن ينتهى مشروع مدينتنا الحائر، والأكثر غرابة أن الأهالى فى ديروطدفعوا تكاليف الصرف الصحى من جلدهم الحى، خلال الأعوام السبعة الماضية، كل عداد مياه سدد ألف جنيه مساهمة فى تكاليف المشروع الذى لم ينته، ولا غرابة فى أن المدينة تعانى مشكلات أخرى، تستعصى على الحصر، منها عدم وجود متنفس أخضر لسكانها، وتكدسهم الرهيب فى منطقة سكنية صغيرة.

ولكن مدينتنا صابرة ومرغمة. ولا تريد من قياداتها، وأعضاء مجلس شعبها وبرلمانها، إلا تنفيذ مشروع الصرف الصحى للحفاظ على الصحة العامة لمواطنيها، حتى لا يجدوا أنفسهم فجأة يشربون مياه الصرف الصحى، بعد أن تهالكت شبكة مياه الشرب. الغريب أيضاً أن بعض المسئولين عن شبكة المياه، نصحونا بغلى مياه الصنابير لمدة عشر دقائق أو أكثر، غير أن هذا المسئول لا يعرف أن مشكلة غلى المياه ستقابلها مشكلة أخرى أشد شراسة وهى مشكلة أنابيب البوتاجاز. كما كنت أتمنى أن يتفضل السيد محافظ أسيوط بشرب الشاى عندى فى بيتى فى ديروط، أو فى بيت أى مواطن آخرمن ديروط، أو حتى فى مكتب رئيس المدينة، ليرى بنفسه تلك الطبقة الزيتية الغامضة، على سطح كوب الشاى، المصنوع من تلك المياه، مما يوحى بتلوثها الشديد، والذى لم يصل بعد إلى حد الكارثة. وبعد أن يشرب السيد المحافظ أصحبه فى جولة بعيداً عن خط السير الرسمى «المعد سلفاً»، ليرى حجم الأتربة والقاذورات، التى ملأت الشوارع وما يصاحبها من زبالة.