رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نظرية الفوضى


تابعنا بشغف اللحظات الأولى ومقدمات تنحى الرئيس مبارك عن السلطة، وسط هديرالملايين فى ميدان التحرير وجميع ميادين العاصمة، لم نكن نتصور أن هذا الرجل يمكن خلعه أوتنحيته، وكان أقرب السيناريوهات المطروحة هو أن يتنحى لصالح ابنه، الذى هيأه وأعده لحكم مصر...

وكان خلع مبارك حدثاً عظيماً ومثيراً فى آن واحد، صحيح أن المفاجأة فقدت جزءاً من بريقها إثر تنحية الرئيس التونسى بن على، لذا جاءت تنحية مبارك كمقدم لإنهيار رءوس كبيرة فى الشرق الأوسط. والتى بدأت بانهيار شاه أيران فى فبراير 1979، ثم الحرب بين العراق وإيران، ثم إزاحة صدام حسين. وكان جورددبليو بوش الابن قد أعلن فى بداية توليه الرئاسة الأمريكية فى عام 2000، أنه سيعمل على نشر الديمقراطية فى العالم، وسيبدأ بمنطقة الشرق الأوسط، وخص العالم العربى بها، وقتها قال إنه يتمنى إزاحة أباطرة الشرق.

لم يكن الرئيس الأمريكى وقتها، يتمنى إزاحتهم عن الحكم، لصالح الديمقراطية وحدها كما زعم، ولكن كان ذلك لصالح فكرة خبيثة، راودت مفكراً أمريكياً بريطانى الأصل، هو برنار لويس، بضرورة نشرالفوضى فى منطقة الشرق الأوسط. كانت نظريته تعتمد على فكرة نشر الفوضى، بإجبار الزعماء الديكتاتوريين على التنحى عن الحكم، دون بديل، وعندما ينهار الزعيم تنهار معه دولته، وتنهار بالتالى سلطاتها ومؤسساتها، ومن توابع تلك الفوضى ستظهر نزاعات عرقية وطائفية، تلك النزاعات هى التى ستتولى تقسيم الدولة التى سقط زعيمها إلى دويلات صغيرة يحكمها متطرفون. كانت الفكرة التى تبناها المفكرون الغربيون عن الحكام الجدد، أنهم سينغمسون فى الأصولية الدينية، وسيفرحون كثيراً، مع أتباعهم، بتطبيق الشريعة الإسلامية فى الدويلات التى يحكمونها، وسيكون المقاتلون هم الحكام، أما أنصارهم من الشيوخ فستكون مهمتهم مراقبة تطبيق الشريعة.

وكان المفكرون يعلمون أن هذا الأمر سينفد طاقتهم، وخلال مرحلة الصراع من الطوائف الأخرى، سيحتاجون إلى المال لشراء السلاح، وستكون عوائد النفط جاهزة لتلبية تلك المطالب، وتدور مصانع الغرب من جديد، لتصنيع السلاح لتلك المجموعات والدويلات وهى تقاتل بعضها بعضاً. ولا يكون هناك كيان قوى فى تلك المنطقة، بعد إحلال تلك الدويلات إلا إسرائيل، وهى وحدها القوة، التى ستكون قادرة على ردعهم وكبح جماحهم وحصارهم داخل دويلاتهم. لقد تم تطبيق تجربة تلك الفكرة فى أفغانستان، وتمت إزاحة الخطر السوفيتى، وتولت جماعات عبدالله عزام والتى عرفت باسم القاعدة فيما بعد. تنفيذ هذا الأمر، وبعده أتمتصدير فكرة الأصولية الإسلامية إلى دول البلقان التى استقلت فيما بعد عن الاتحاد السوفيتى، وكانت الثورة الشيشانية والكرواتية، من أجل زعزعة استقرار الاتحاد السوفيتى وتفكيكه، وقد كان. وبعد أن أدركت الولايات المتحدة الأمريكية والغرب خطورة تلك الجماعات، بدأت تفكر لها فى طريقة لإلهائها عن دول أوروبا وأمريكا، والدول الأفريقية، فكانت فكرة مساعدتهم فكرياً وعسكرياً ومالياً، على اقتحام الدول الكبرى فى المنطقة ومنها العراق وسوريا ومصر، وصدروا لهم فكرة الفوضى الخلاقة.