رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحرية تكلفتها عالية.. ولكن لا بديل عنها


الحرية قيمة عالية بل هى قمة الحياة الانسانية والمجتمعية، وبقياس الحريات تتقدم الشعوب وتتميز عن غيرها، وقد كانت مصر مهدا للعلوم والحضارة والعمران قبل أن تقوم غالبية دول العالم الحديث فى شرقه وغربه على السواء.

والتاريخ نفسه يسجل بداية كبت الحريات، جاء مع المحتل الذى دخل ليستغل كل موارد الدولة لصالحه، ولتحقيق غايته كان عليه أن يفرض القيود على الشعوب المغلوبة على أمرها حتى إن قليلين من الشعراء والنقاد العرب الذين كتبوا بجرأة فى الحريات، ومن الذين كتبوا بجرأة ينتقد قيود الحرية محمد مهدى الجواهرى.

حرية الفكر ما زالت بالنواميس ما كانت مفسرة إلا لصالح هيئات وأسماء، أما ايليا ابو ماضى فكتب يقول:

أنا حر ومذهب كل حر مذهبى .. فاكتب غاويا لا متعصب

أحب كل مذهب ولو أنه خصمى .. وأرحم كل غير مقرب

ومع الأسف والألم إذ تخرج علينا أقلام وألسنة لا تفهم معنى الحرية التى لا تمسك

سيفاً، فيخرجون بأقلام مسمومة لا تحمل فكرا ولا هوية.. أقلام أشبه بعلبة أقلام الألوان التى تستخدم وفقا لظروف المال ومتغيرات الأنظمة دون فكر أو هوية.

إن الحرية أزهار لها روائح عطرية، فيا أهل العلم والرأى والفكر ومن بيدكم القلم يخط الصحائف اليومية والدورية، ويا كل القنوات والبرامج الإذاعية هل ضقتم من قناة لم تكن يوما هجومية، بل لم ترد تلى مهاترات كثيرة لم تكن هى فكر الغالبية، ومع ذلك لم يؤثر فينا ليفقدنا الهوية واثقا أن الكثيرين منكم سيدافعون معى عن دعائم الحرية لفهمنا لمقاصد الخالق وإيماننا به من القلب وأسرتنا الذاتية، ويقيننا أن حريتنا لا تستجدى ولا تشترى من أسواق شرقية أو غربية لأنها ولدت وكبرت بدماء زكية، وبأزهارها نقدمها لأجيال دفعت دمها ثمنا للحرية، وقد ورثناها ونحميها بدماء زكية.

لقد دافع المصريون عن حريتهم ضد مستعمر وأنظمة فاشية وواجهها حافظ ابراهيم فقال: سكت فأصغروا أدبى .. وقلت فأكبروا أربى

يقتلنا بلا قيود .. ولا دية ولا رهب

ويمشى نحو رايته .. فنحميه من العطب

أرونى بينكم رجلاً .. ركينا واضح الحسب

أرونى نصف مخترع .. أرونى ربع محتسب

أرونى ناديا حفلا .. بأهل الفضل والأدب

وماذا فى مدارسكم .. من التعليم والكتب

وماذا فى صحائفكم .. سوى التمويه والكذب

لقد عرفت المراجع المعتبرة لمعنى الحريات، فقالت إنها تحطيم القيود البالية

التى عوّقت العلوم والمعارف، والحرية ليست الفوضى، بل هى الفضيلة التى تتوسط

طرفين هما القيود والانفلات الاخلاقى وكلاهما رذيلة.

ويعرف أرسطو الحرية وموقفها من الدولة، فيقول إن الحرية هى إرادة الاغلبية، وغيابها علامة من علامات العبودية.

ويحاول هوبز الإنجليزى أن يوفق بين سعى الشعب نحو حرية مطلقة وإرادة السلطة أن تقيدها، فيقول هوبز إن حرية الفرد غير مطلقة وغير منفصلة عن إرادة الكل بمن فيهم الحاكم الذى يحاول أن يوازن بين الحرية والمسئولية، وهذا هو مفهوم هوبز رائد الحياة الفكرية، والذى يربط الحريات السياسية بالقانون الطبيعى والعقد الاجتماعى، وعليهما يقوم المجتمع، فيلخص هوبز معنى الحرية بأنها «إطلاق إرادة الفرد فى محيط السلام والأمن».

وخلاصة القول أننا انطلقنا للأمام، ولن نقبل إعاقة مسيرة الحريات والأمن والسلام وبناء مجتمع حر مسئول يحفظ للجميع حقوقهم وحرياتهم المسئولة، لاسيما الحرية الفكرية، واسمى الحريات العبادة بكل صورها.