رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نأكل ونشرب لأننا غدًا نموت


تلك هى الحكمة التى نادى بها فيلسوف قديم عاش فى القرن الثالث قبل الميلاد وهو فيلسوف يونانى اسمه «أبيقور» وخرج بنظرية تلخص الحياة فى الشعور بالسعادة أو الألم، وهما المقياس بين الخير والشر، ومع أن معظم أعماله التى بلغت نحو ثلاثمائة عمل اختفى معظمها، إلا أن فيلسوف المسيحية بولس الرسول هو من عارض فلسفته وإن لم يشر إلى اسمه، فالاسم ليس هو المعنى بل عارض نظريته التى لم تفرق بين الإنسان الذى هو قمة خليقة الله وبين سائر المخلوقات الأخرى التى هى فى خدمة الإنسان.

ولعل الفلسفة الأبيقورية تعيد إلى الذاكرة سؤالاً قديماً لكنه لا يزال يبحث عن إجابة وهو ما الهدف الأسمى من الحياة، وقد تكون الإجابة هى ذاتها المنقولة عن أبيقور إننا نسعد بما نأكل وما نشرب لأننا غداً نموت، بينما يقول أحد الحكماء «لقد أخذ منى البحث عن الإجابة أياماً كثيرة حتى وصلت إلى القرار التالى:

١- عِش لأجل هدف يسمو بعاطفتك كل يوم دون توقف على>أنه هدف لا نهاية له.. ٢- عِش لغيرك بما يرضى الضمير الحى والشعور المتسامى ولا يتوقف بنهاية الحياة، بل ينتقل منك إلى كل من حولك بداية من القريب والصديق إلى الجار والرفيق وكل من هم فى محيطك الإنسانى والجغرافى، وإن استطعت فإلى المسكونة كلها.

٣- ابذل الجهد لنقل المبدأ إلى الآخرين حتى يهدأ الصراع حول المكاسب والمغانم الفردية احتكار المغانم ولو على حساب أشلاء الآخرين حتى نشأت المجتمعات الطبقية بل أهينت البشرية فيما عرف بالسادة والعبيد، وحتى بعد نهاية عصر تجارة الرقيق والتى راح ضحيتها أعداد كبيرة فى الولايات المتحدة فى حرب أهلية دامت لنحو خمس سنوات ليتحرر بعدها قرابة الأربعة ملايين من السود الذين استقدموا من أفريقيا للعمل فى المزارع والمصانع دون أجر.

لقد حاول الإقطاعيون أن يبقوا على نظام الرقيق لأنهم عمالة بدون أجر، وتحريرهم سيؤثر سلبا على مكاسب أصحاب المزارع والمصانع، ولكن برجل واحد رُفِض مبدأ مهانة الانسان لأخيه الإنسان بسبب اختلاف اللون أو العرق أو الأصل، أما المبدأ الرابع فهو القدوة فى تقديم الآخرين ليأخذوا فرصتهم فى الحياة دون تردد أو الشعور بالخوف، إن أحداً منا قد يتفوق علينا فى مجال نظن أننا أفضل فيه من الآخرين، وإلا ما تقدمت الأمم وازدهرت الشعوب وكثرت الابتكارات واكتشفت أساليب علاجية أنقذت حياة الملايين من البشر، إن براءات الاختراع تدل على تقدم الشعوب حتى إن العالم يجدول أكبر عشرة دول فى هذا السباق العلمى فتأتى اليابان فى المقدمة وبعدها أو قبلها وفق زمن الدراسة الولايات المتحدة، وكذلك تتنافس الصين مع كوريا الجنوبية فى المكانة التالية، ثم تأتى ألمانيا وكندا ثم روسيا وأستراليا، ثم إنجلترا فالهند.

والمتابع لهذه الدراسة وللوهلة الأولى يستطيع أن يلاحظ أن القضية المعوقة للتقدم ليست فى عدد السكان، فقد كنا وما زلنا نلقى كل المشكلة على شماعة زيادة السكان، وهذا لا شك يشكل عائقاً من العوائق وليس السبب الوحيد، وإلا ما وجدنا دولاً كالصين والهند بين أهم عشرة دول تقدماً فى براءات الاختراع.

لقد عرفت دول المقدمة مبدأ التشجيع والاهتمام بالإنسان كإنسان دون النظر الى النسب والحسب والعرق أو اللون أو الدين أو العقيدة، كما أن هناك مبدأ آخر هو استمرارية التعليم والتعلم، ولا نيأس أبدا من الحاجةالى التعلم، والتعلم المستمر، فالعلوم متجددة فى كل المجالات، ومن يظن أنه قد وصل الى القمة فيتوقف عن السباق فسيجد نفسه فى قاع السباق، لأن العلوم لم ولن تتوقف عند حد، فالأمراض التى كانت بلا علاج لم تعد كذلك، وفى كل يوم تتقدم العلوم حتى إن الأطباء فى الغرب قد يفقدون رخص العمل إذا لم يقدموا ما يفيد أنهم قضوا عددا معينا أو أكثر من ساعات الدراسة والبحث كل سنتين على الأكثر، فى حين أن هناك آلافا بل ملايين من الأطباء ربما لم يقرأوا بحثا فى حياتهم بعد أن أنهوا سنوات دراستهم.

أما النصيحة التى نحتاجها فى حياتنا العلمية والعملية فهى بذل الجهد فى التخلص من الاتجاهات السلبية، فهى قد تبدو الأيسر فى حياتنا، أما التفكير الإيجابى فهو يفيد صاحبه ويفيد المجتمع الذى نعيش فيه، فليتنا نتعلم ونحاول أن نغير من أنفسنا حتى نتعود على التفكير الإيجابى.

أما النصيحة الأخيرة التى نحاول أن نبدأ بها بأنفسنا قبل أن ننقلها إلى الآخرين:

لنضع نصب أعيننا ما هو الأفضل دون أن نظن أننا الأفضل.

إنها مجرد همسات نهمس بها لأنفسنا قبل أن نعلمها أو نطلبها من الآخرين، فخيرمعلم

للأبناء هم الآباء، ومدرسة الحياة مفتوحة على الدوام تقبل فى فصولها كل محتاج للتعلم، أما من ظن أنه يعرف كل شىء وأنه لا يحتاج بعد إلى معلم فقد فاته قطار الحياة،ويحتاج لتصحيح المسار.

أما صاحب النظرية الأبيقورية «نأكل ونشرب لأننا غدا نموت»، فقد مات وماتت معه تلك النظرية ولم يبق منها إلا أن نتخذها العبرة لتجنبها، والعمل على غيرهداها، والحكمة العربية تقول «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك وكأنك تموت غداً»، وفى تراثنا الفكرى والروحى نحاول تجنب ذلك الغنى الغبى، مع أن الفارق اللغوى نكاد لا نلمحه، فإننا لم نوجد فى الحياة لنأكل ونشرب، فقد يكون فى الطعام وكثرته والماء وملوثاته الموت الزعاف.

الرئيس الشرفى للطائفة الإنجيلية