رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القانون.. والمصداقية الحكومية


لماذا أصبحت عملية تشريع القوانين من اختصاص البرلمان؟ لأن البرلمان هو السلطة التشريعية وهو السلطة الشعبية التى تأتى نتيجة لاختيار الشعب لنوابه فى انتخابات حرة مباشرة وذلك يعنى ارتباط المواطن بالنائب ومعرفته به بصورة مباشرة أوغير مباشرة، الشىء الذى من المفترض أن يجعل النائب معبراً عن ناخبيه سواء كان ذلك فى إطار الرقابة على الحكومة ومتابعتها فى تحقيق برامجها المقدمة إلى البرلمان أو فى عملية التشريع للقوانين باعتبار أن أى قانون يتم تشريعه لابد أن يكون معبراً عن مطلب جماهيرى أو فى مواجهة مشكلة عادية ومهمة يعانى منها الشعب. أى أن التشريع بشكل عام لابد أن يكون معبراً عن الجماهير حتى تكون هناك المصداقية لهذا القانون وذاك التشريع لدى الجماهير، حيث يكون هناك معرفة وقبول لهذا القانون فيسهم ذلك فى تطبيق هذا القانون وفى الالتزام به.

ولذا يكون من الطبيعى أن نستمع لآراء معارضة لهذا السيل المتدفق من التشريعات الصادرة بقوانين بقرارات جمهورية نظراً لغياب البرلمان، وما بعد ٣٠/٦/٢٠١٣ وحتى الآن. ذلك لأن التشريع لابد أن يكون صادراً من البرلمان كسلطة شعبية كما أن أى تشريعات بعيداً عن البرلمان لابد أن تكون فى حالة الضرورة القصوى والأهم أن مجمل هذه التشريعات سيتم عرضها على البرلمان بعد تشكيله على أن يناقشها ويوافق عليها جملة أو يرفضها جملة خلال خمسة عشر يوماً حسب الدستور. ولذا وعلى ذلك فكان من الطبيعى أن يكون بديلاً لغياب البرلمان عند تشريع هذا الكم المهم من التشريعات التى صدرت مثل قانون التظاهر والاستثمار ومكافحة الإرهاب أن يكون البديل هو ذلك الحوار المجتمعى الفعلى والحقيقى وليس الصورى والديكورى عن طريق الأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى ومن خلال ندوات استماع جماهيرية فى النوادى ومراكز الشباب.

ولكن للأمانة فنحن مازلنا نتحدث أكثر من أن نعمل مع غياب حقيقى للأحزاب على المستوى العملى فلا وجود لهذه الأحزاب فى الشارع ولا علاقة لها بالعمل العام السياسى.. ولذلك وجدنا تلك الإشكاليات وهذه المشاكل المصاحبة لكل وأغلب هذه التشريعات خاصة التى تخص الرأى وحرية المواطن بشكل عام مثل قانون التظاهر والإرهاب. والأهم قد رأينا أن الحكومة وهى التى تعد هذه القوانين فى مطبخها وترسلها لرئيس الجمهورية لإصدارها ونشرها فى الجريدة الرسمية حتى تكون موضع التنفيذ من الواضح أنها لا علاقة لها بعملية التشريع فى إطار أن هذه التشريعات التى يجب أن تكون معبرة عن الجماهير حتى تجد المصداقية الجماهيرية والشعبية التى تساعد وتسهم فى التطبيق. فوجدنا أن قانون الاستثمار قد تم تعديله وإصدار تكميلات له عدة مرات وذلك بعد صدوره ونشره فى الجريدة الرسمية وجدنا ومازلنا نجد رفضاً لبعض مواد قانون التظاهر كما نجد الآن تلك الملاحظات على قانون مكافحة الإرهاب. كما أنه من الطبيعى أن يقال إن هذه القوانين خاصة التظاهر والإرهاب هى قوانين ضرورة وصادرة ومهمة لمواجهة الحالة السياسية المتشابكة والمعقدة. وهنا لا نعتقد أن هناك رفضاً من حيث المبدأ على مثل هذه القوانين ولكن من الطبيعى أيضاً أن تكون هناك مناقشات وحوارات حول هذه القوانين ومن العادى أن يكون هناك رأى ضد عملية تطبيق هذه القوانين وهذه هى المهمة الأساسية للحكومة كسلطة تنفيذية، خاصة عندما نرى أن الحكومة تطبق هذه القوانين حينما تريد ولا تطبقها عندما لا تريد خاصة قانون التظاهر فلماذا لم يتم تطبيق هذا القانون على من تظاهروا ضد قانون الخدمة المدنية؟ هل لأن القانون يلاقى رفضاً من العاملين بالدولة يمثل خطورة حقيقية خاصة بعد هذه المظاهرة الحاشدة أمام الصحفيين والأهم المظاهرة التى يتم الحشد لها فى حديقة الفسطاط؟ وهل تم حوار حقيقى مع أكثر من ستة ملايين موظف حول القانون لكى تسهم هذه الأعداد فى إحداث ثورة إدارية بالفعل؟ وهل الحكومة قادرة على تنفيذ وتطبيق هذ القانون عملياً فى ضوء هذا التسيب وذلك الفساد؟ وهل من العيب أن تتجاوب الحكومة والنظام مع الحوار المجتمعى وتقوم ببعض التعديلات الجوهرية التى ترضى المعارضين حتى يمكن وضع القانون موضع التنفيذ بقناعة ورضا؟ ولماذا لم تطبق الداخلية قانون التظاهر بل قانون الإرهاب على تظاهرات أمناء الشرطة؟ تلك التظاهرات التى أحدثت نوعاً من عدم المصداقية الحكومية. فالأن لا أحد يستطيع أن يبرر هذا الموقف خاصة أن تظاهرات الشرطة وتجاوزاتها قد فاقت كل الحدود بل تمثل تهديداً حقيقياً للعملية الأمنية برمتها سواء كانت تلك الممارسات أثناء المظاهرة أو ممارسات الأمناء بشكل عام طوال اليوم وفى كل المواقع الشرطية؟ أين المصداقية وأين تطبيق القانون بحيادية وتجرد؟ الدولة القوية ليست الدولة التى تقوم بإنشاء الطرق وإقامة المشروعات واستصلاح الأراضى فقط ولكن الدولة القوية هى تلك الدولة التى ترعى وتلتزم بالقانون الذى يطبق على الجميع دون تمييز حتى يشعر المواطن بكرامته عندئذ يكون أداة بناء لا هدم فمصر لكل المصريين.