رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يا خراااااشى..

جريدة الدستور

"ليه كدة يا ولدى، حرام عليك، هلاقيها منك، ولا من موظف التذاكر".. بهذه الطلقات الخارقة السامة، صبَّت عجوز فى إحدى محطات المترو، جام غضبها، على شاب يافع قليل المنافع، قطع تذكرته قبلها، متجاوزاً دورها، ومتجاهلاً حقها، ومستنكراً شيبتها.. وهرول وانصرف، كأنه حقق نصراً مبيناً، وظفر صيداً ثميناً.

لحظة، مرت على العجوز كأنها قرن، وجاء دورها، ووقفت أمام موظف التذاكر، لكنه كان متباطئاً فى عمله، منشغلاً بموبايل يعبث به، ويلعب عليه.. فاستشاطت العجوز غضباً، وقالت له: "يا بني خلص حرام عليك إنت لكع كدة ليه؟!"، فلم يرد عليها الموظف، ودلف فى إشعال سيجارة، وما إن شمت العجوز رائحة الدخان، حتى صاحت فى وجهه "يا خراااااشى، ربنا ينتقم من كل ظالم مفتري".

هنا، انفجر الموظف غاضباً، وقال للعجوز: "مالك يا حاجة، ارحمينى شوية، أنا شايل شغل المحطة لوحدى".. فسأله أحد الواقفين فى الطابور الطويل الذى يتجاوز عشرة أمتار: "طب فين باقى زمايلك"، فسكت الموظف، ثم قال غاضباً: "بيفطروا يا حاجة مع بعض".

فى أثناء النقاش الساخن بين الموظف والعجوز وأحد الواقفين فى الطابور.. تدخل رجل فى الحوار ويبدو من كلامه أنه أستاذ جامعى، وقال: "أنا بستغرب من البلد دى، إزاى يخلو موظف شاب زى ده يقطع تذاكر وهو قاعد مكانه المفروض المهنة دى تبقى لذوى الاحتياجات الخاصة.. ونستغل الشباب دول فى بناء البلد"، فالتقطت طرف الحديث سيدة كانت معهم، وقالت: "يا ريت حد يسمع كلامك ده.. دا أنا ابنى معاق وبيشتغل فى المستشفى وطول اليوم بيلف على رجله.. وبيتعب قوى".

همَّ الموظف ليعطى العجوز تذكرة، حتى يستريح من هذه الزوبعة التي أثارتها، فإذ بشاب آخر يقطع الصفوف، ويأخذ التذكرة قبلها، فصرخت العجوز: "يا خراااااشى"، هنا أراد أحد الواقفين تخفيف حدة الموقف، فسأل العجوز: "يعنى إيه يا خراااشى يا حاجة؟".. فأجابت العجوز: "كان شيخاً للأزهريين.. ونصيراً للمظلومين، ومعيناً للفقراء والمساكين، وسيفاً على رقاب الظالمين".. فصاح جميع الحاضرين فى المترو: "يا خراااشى... يا خراااشى.. يا خراااشى".