رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

احتفالية قناتنا الجديدة.. يوم لن ينسى


والحق أقول إنه برغم البساطة فى حفل الافتتاح لقناة السويس الجديدة، إلا أن الإحساس الجماهيرى المعنوى كان طاغيًا للشعور بأن الإرادة تنتصر، وكأن القائد يعزف على أوتار القلوب ليصنع هذا الهارمونى الرائع بينه وبين جموع الشعب فى كل مكان، كما فعل الموسيقار عمر خيرت بموسيقاه فى أرواح المصريين العطشى إلى كل انتصار وإلالتفاف حول كل من يقوم بإحياء الشعور بالانتماء والعزة والكرامة، وكأنها جذوة من روح الله فتوهجت من جديد داخل نفوسنا، أما عن مواهبنا المصرية الشابة الواعدة كارمن سليمان وأحمد جمال ومحمد شاهين فكان لحناجرهم الذهبية عظيم الأثر وملأتنا بالشجن.

ناهيك عن العرض الأوبرالى العريق لفيردى «أوبرا عايدة» وإن اقتصر على جزء منها إلا أنه عبق الأجواء برائحة الفخار والزهو ببهاء وفخامة العرض بكل العناصر المشاركة فيه فخرج فى أحسن صورة للعالم ليكون الحفل فى مجمله دعوة صريحة للعالم كله لزيارة مصر فكان خير دعاية اتوقع أن تنشطنا سياحيا فلسنا من راكبى الجمال ولانعيش فى الكهوف انجلت الصورة ببث هذا الحدث الناقل لوجه مصرالحضارى الحقيقى.

والتاريخ يقول إن الشعوب فى مسيرتها تبحث دومًا عن «البطل» الذى يخرج من بين صفوفها ليُشعل فتيل الحماسة فى القلوب، ويعيد تنظيم الصفوف ليفجّر طاقات الإيمان بقدراتها الخلاقة المخبوءة فى طياتها، ويضرب بيدٍ من حديد محاولات البعض ممن يكرهون التقدم ويحاولون تثبيط الهمم والعزائم، ويستمد هذا القائد قوته وانطلاقه من الحُب القلبى والعفوى للجماهير التى تسانده وتبارك خطاه وتلبى النداء لكل الأفكار والمشروعات التى تعود بالنفع على المواطن والوطن، كما فعلت القيادة المصرية بالدعوة إلى حفر مجرى مواز لقناة السويس يتيح تحسين الملاحة البحرية فى الاتجاهين بين الشرق والغرب.

فشمَّر المصريون الأبطال عن سواعدهم وقاموا بتجريف وتكريك ورفع مايوازى وزن «الأهرامات» أربع مرات من الرمال والركام والصخور ـ وفى ظروف صعبة ـ فى زمن قياسى تم تسجيله فى الموسوعة العالمية «جينس»؛ ليكون شاهدًا على قدرة التحدى والانتصار إذا ما اجتمعت القلوب بكل الصدق حول القيادة الوطنية الشريفة التوجه والهدف.

وتتوالى المعجزات التى نحيا تفاصيلها لحظة بلحظة لنعقد المقارنات بين صناع الحب وصناع الكراهية، بين صناع السلام وصناع الحرب، فتأتى المعجزة فى شكل «ضربة معلم» فى توقيت الافتتاح لقناة الخير فى السادس من أغسطس وفى الساعة الثانية إلا خمس دقائق، ليضرب بهذا الإعجاز عدة عصافير وفى عدة اتجاهات بطلقة واحدة، أولها تذكير العالم بمأساة تفجير القنبلة النووية فى هيروشيما ونجازاكى فى التاريخ نفسه منذ سبعين عامًا، ثانيهما إعادة تصوير لحظات العبور العظيم فى العاشر من رمضان لاستعادة أرض سيناء الحبيبة، ثالثهما وهو الأهم والأخطر.

والجدير بإعلاء ذكراه دومًا على مر الأجيال أن القناة الجديدة غمرت وطمست ماكان يسمى فى الماضى البغيض بـ «خط بارليف»، فكأننا قمنا بتحطيمه مرتين: مرة بالحرب المشروعة لاسترداد حقوقنا فى الأرض، ومرة بالسلم لتحقيق الخير والإخضرار فى الأرض وفى القلوب المصرية التى اشتاقت إلى روح الأمن والأمان فى كل الربوع، وتتمنى الخير والنماء لكل العالم ومن عليه من البشر، وحلت محله الجداريات الفنية الرائعة التى عبرت عن انفعال فنانينا المصريين ومايجيش فى نفوسهم من فرحة ومحبة للوطن وإنجازاته.

ومن هنا جاء رمز ارتداء القائد لزى الجندية المقدسة فى لحظات الافتتاح ليشير بالدلالة لكل أصحاب المطامع أننا فى خضم الإصلاح والتنمية ومعارك التحدى للبناء والتعمير، لم ننس أننا حماة هذا الوطن بقواتنا المسلحة المشروعة والمتيقظة على ضفتى القناة، بل وفى كل شبر على أرض الوطن، من هنا كانت الدلالة لكل من يتنطع من الخونة ويشير بطرف خفى إلى الاعتراض على ارتداء القائد لزى القوات المسلحة، فهذا حقه بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة.

والأبهى والأجمل فى تلك الأيام التاريخية أن نرى الفرحة على وجوه البشر فى كل ربوع مصر ونحن نرى علم الوطن يرفرف فرحًا خفاقًا على الشرفات والمبانى العامة، بل ومرسوما على صدور الشباب فى ملابسهم وعلى وجوههم لتظل جذوة الانتماء والهوية متوهجة فى القلوب والأرواح، سعادة بتلاحم الجيش والشعب والأمن فى هارمونية تعزف لحن السلام والأمل فى الغد المشرق. ويحق لنا فى هذا اليوم المشهود الذى لن ننساه ماحيينا أن نقف وقفة الإجلال والتكريم لكل أرواح الشهداء الذين سقطوا وامتزجت دماؤهم الطاهرة بكل موجة ضربت هذه الشواطىء العملاقة بطول مصر وعرضها. عاشت مصرنا رمزا للصمود والتحدى وقهر الصعاب.. ودامت منارة للعلم والحب والسلام.

أستاذ الدراسات اللغوية ـ أكاديمية الفنون