رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دعوة مفتوحة.. ومفتوحة دائماً


إن أقل ما يمكن وصفه على مثل هذه السلوكيات فهى فساد وإفساد، فالفساد هو الخروج عن القواعد التى تضعها الأحكام والأعراف وقواعد العمل وتغليب الصالح العام فوق المصالح الشخصية.

دعوة مفتوحة ومفتوحة دائماً.. وإلا نكون قد حكمنا على العقل بالفشل أو على أقل تقدير الحكم عليه بالغيبة أو الكسل والخروج من المعقول إلى اللا معقول. أما الدعوة فتضمن استعدادا للمشاركة مع عدد من الأشخاص قد يعدون بالملايين كما فى الاستفتاءات لاستطلاع رأى شعب بأسره، وقد يكون بين مجموعة محدودة علمية أو فلسفية للوصول إلى قرار بأغلبية معينة أو بإجماع الآراء، كالأحكام القضائية التى لا يصح صدور حكم بالسجن أو بالإعدام على شخص بمجرد غالبية المجلس القضائى إنما بإجماع الآراء. أما فى القضايا الخلافية والتى تحتمل الرأى ونقيضه أو الرأى وآخر قريب إلى حد صعوبة التفريق بينهما، وفى جميع الحالات فالمطلوب من المشاركين المهتمين بالقضايا الخلافية حسن الإصغاء إلى باقى الآراء والاستعداد المرن المستعد أن يقبل المحاور قبول الرأى الآخر مهما كان موقع ومكانة صاحبه.

أما الإصرار على رأى صاحبه لمجرد الإصرار والانتصار والاعتداد فهو الذى يطلق عليه التعصب الأعمى، أى عدم القدرة البصيرية على تغليب الصالح العام على الذات والأنا.

ومن أمثلة الواقع ما يحدث فى لجان التحكيم أو اختيار أشخاص فى مواقع معينة لا سيما اذا ما كانت مساحة المواقع محدودة وطالبى الموقع اكثر من الفرص المتاحة كفرص العمل أو فرص الترقى أو البعثات الدراسية وغير ذلك الكثير والكثير كالامتحانات الشخصية وبعض الكليات التى يشترط لدخولها اجتياز اختبارات شخصية كالمهارات البدنية والعقلية، وهنا تقع لجان الاختيار فى المحظور أمام التوصيات والشخصيات العامة، وأحياناً ما تدخل الرشاوى المادية أو المعنوية أو الانتماءات الثقافية والعرقية والفكرية. كل هذه المواقف تقتضى اجماع أو على الأقل غالبية أعضاء اللجان المناط بها الاختيار، أما إذا ما توافق أعضاء اللجان على تمرير معين تشوبه مصالح الفريق وتطبيق المبدأ الذى يتردد بين العامة «شيلنى وأشيلك»، وأدبياتنا الشعبية تحتمل هذا كمن «قدم السبت التقى الأحد قدّامه» ومن خدم الناس «التقى الكل خدامه» .

إن أقل ما يمكن وصفه على مثل هذه السلوكيات فهى فساد وإفساد، فالفساد هو الخروج عن القواعد التى تضعها الأحكام والأعراف وقواعد العمل وتغليب الصالح العام فوق المصالح الشخصية، ولعل حوادث سقوط الطائرات التى تحدث من الحين للآخر ويذهب ضحيتها مئات من الركاب الذين لا ذنب لهم إلا أنهم قادهم الحظ العاثر مع طيار أو مساعد له إما مريض مرض نفسى أو أصيب بلوثة عقلية أو فكر منحرف، مثل القتلة الذين يقتلون الناس بتفجير أنفسهم بدعوى الحصول على رضوان الله وجناته وكأنهم يبتغون الخير بارتكاب المعاصى والشرور، أو كمن يطلب التين من الشوك، أو العنب من الحسك، وما أبعد هذا عن ذاك. أما الذين يتمسكون بالباطل وهم يعلمون ببطلانه ولكن تحكمهم نوازع شخصية أو طائفية، وقد يجدون مبررات ضيقة كمن يسئ فهم بعض القواعد الدينية مثل « أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً»، فهناك من يفهم المعنى على أنه مرتبط بالقرابة والعنصرية فوق القواعد الانسانية والأخلاقية، ومنهم من يعمل العقل ويفهم المعنى أن نصرة القريب فى رده عن الخطأ وارتكاب معصية ظلم إنسان لا ذنب له إلا أنه مخالف فى درجات القرابة أو الانتماء.

وهناك من يرى تغليب المصلحة فوق القواعد الأخلاقية كمن يرى أنه لا مانع من الكذب إذا كانت هناك مصلحة، كإنقاذ شخص من ضائقة أو تحقيق مصلحة أو تصالح بين متخاصمين، ويرون فى معصية الكذب ما يبررها من عمل أكثر فائدة، كمن يبرر إصدار شهادة معينة إذا ما كان القصد منها خيرا يعود على إنسان. أما التعصب الفكرى لمجرد الإصرار على الرأى دون استعداد للتنازل عن الرأى اعتداداً بالذات أو المكانة أو الفارق العمرى أو الطبقى أو الوظيفى مع ما قد يعود من ضرر عام فالرئيس فى عمله لا يقبل التراجع عن فكره أمام رأى آخر لتابع أو لشاب يصغره عمراً أو درجة وظيفية، بل هناك من لا يقبل مجرد تصحيح واقعة مثل ذلك الذى أصدر قراراً خاطئاً وبادره مسئول أقل درجة بأن هناك قراراً وزارياً لا يعطى مثل هذا الحق، فما كان أن رد رئيسه: «لا تنسى أن موافقتى قرار وزارى»، فما كان من تابعه إلا أن اعتذر لرئيسه عما بدر منه، وكان من الممكن، بل من الواجب أن يقدم الشكر لمن أشار عليه بتصحيح الواقعة كما يحدث فى أماكن أخرى حول العالم الذى سبقنا رغم أننا كنا نحن السابقين تاريخاً وفكراً وعقيدة. لعلنى من هذه السطور أدعو كما بدأت بأهمية إعمال العقل وتفضيل المصالح المصيرية الكبرى فوق كل مغانم أو مقاصد شخصية أو فئوية مهما حاول البعض أن يضفى عليها من مبررات أو تفسير انتقائى مع الأخلاق والقيم الإنسانية التى تتفق مع قواعد الدين والقيم الإنسانية.

الرئيس الشرفى للطائفة الإنجيلية