رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأستاذ الجامعي

جريدة الدستور

للمعلم، سواء في المرحلة الجامعية أو ماقبلها، دور عظيم وهام في النهوض بالأجيال، لذلك فإنني أرى أن اختيار ذلك المعلم لابد أن يخضع لعملية تقييم نفسي وفكري، وبحكم عملي في هذا المجال كأستاذ جامعي فإنني أواجه كثيراً من جوانب النقص في شخصية بعض الأساتذة، وأبرزها الانفصام وازدواجية المعايير والنرجسية المفرطة، ناهيك عن بعض من مركبات النقص وحالات الانتفاخ والتمركز الشديد حول الذات.
وفي حديثي هذا سوف أتناول بعضاً من تلك الجوانب النمطية، ومنها الاهتمام المنحصر على مجال التخصص بالغ الضيق، دونما رؤية موسوعية شاملة حتي في نفس التخصص، بما يساعد على ترابط المعلومات ببعضها، من أجل تكوين صورة متكاملة ونموذجية وابتكارية، ناهيك عن اهمال المعلومات والثقافة العامة، مما يجعلهم على تلك الصورة التي وصفها الفيلسوف الألماني"نيتشة" عن مثل ذلك النوع من الناس، الذي اختزله في شكل أنف كبير جدا، ملتصق بجسم ضئيل جدا، مما يجعل مثل تلك الصورة تعبيراً كاريكاتورياً لحالة من غياب الانسجام.
إضافة إلى ما سبق نلحظ لدى كثير منهم تيبساً فكرياً، مع افتقار للمرونة وتعذر القدرة - في أحيان ليست بالقليلة - على توصيل المعلومة وربط العلاقات الموضوعية بعضها ببعض، كما تتوه عنهم المعاني ومرادفات الألفاظ، لقلة أو ندرة الاطلاع ، حتى أننا نجد بعضاً من الذين يقومون بتدريس نفس المقرر بالاسلوب نفسه الذي كان عليه وهو طالب، لدرجة أنه لم يكلف نفسه تغيير الورق الذي سجل فيه محاضراته، حتى يكاد لون تلك الأوراق يتغير ويقارب علي التلف من كثرة استعماله لسنوات عدة، دون ان يتعب نفسه في إعادة كتابته من جديد، لإضافة معلومة أو فكرة من الأبحاث الحديثة، مما يكرس لمنهج "الفهلوة"، فيصبحون "أداتيين"، كما أن كثيراً ما يظل البعض منهم محتكراً تدريس بعض المقررات لفترات طويلة مما يؤدي الي حرمان الشباب الاكفأ والأحدث معلوماتيا من ممارسة العملية التدريسية.
هذا بالاضافة الي أن البعض منهم لا يجيد التعامل مع الطلبة وأسهل ما عندهم هو نهر الطالب الذي يقصده في مسألة أو استفسار ما، مستنكفين قول "لا أعرف"، في ادّعاء العلم بكل شيء، ويظل هذا السلوك المعتمد علي الفهلوة في ثقافتهم قائماً، حتي وهم يشغلون مناصب ادارية هامة، فقد قرأنا في احدي الصحف منذ وقت ليس بالبعيد أن رئيساً سابقاً لإحدي الجامعات الحكومية كان يتباهي أمام أحد أصدقائه أنه طوال فترة رئاسته للجامعة لم يقرأ قانون الجامعات وانما أدار الجامعة بالفطرة، الأمر الذي جعله على شفا حفرة من السجن أو العزل من وظيفته.
كما أريد أن أتطرق إلى الحالة العامة من الديكتاتورية التي تحكم العلاقة بين أجيال الأساتذة، والتي نرى أثرها في الذوبان "الشكلي" لشخصية الجيل الأصغر في معطف أستاذه، مما يُفقد الجيل الأصغر استقلاليته الفكرية، ومما يؤدي إلى نوع من "العبودية النفسية" التي تـُفقـد الشباب القدرة على الإبداع، في اتخاذ القرارات، دون الرجوع إلى السلطة الأبوية الأعلى، متمثلة في أستاذه، الذي يرتبط به بعلاقة ولاء، اشبه ما تكون بالتبعية العمياء، بحيث لا يستطيع الجيل الأصغر التصرف في شئون مجاله حال غياب أستاذه.
كما أن بعض الاساتذة، وبمجرد حصوله علي درجة أستاذ يتوقف تماما عن القراءة والبحث والاطلاع، إما عن قناعة أنه لا جدوي من من التعب والعناء أو تحصيل دائم للعلم ومتابعة كل ماهو جديد، لاعتقاده أنه قد بلغ منتهي حلمه في لقب "استاذ دكتور" وهو نهاية المطاف بالنسبة له في التحصيل والبحث وقد يستغل ذلك اللقب اسوأ استغلال، معتقدا انه بمجرد حصوله عليه قد وصل الي أعلي سقف للعلم ولا شيء بعد ذلك، فيصبح شديد الحساسية لأي انتقاد ولو بسيط جدا من جانب زملائه الاكادميين ويغيب عنه الوعي والحس النقدي الجاد في إطار المشكلات التي تعترضهم، مما يجعلنا في حال من الجمود الفكري، وعلى الجانب الآخر فإنه يوجد أيضاً في جامعاتنا أساتذة يعدون من طراز فريد، ممن يمتلكون روح الابتكار والتحصيل الدائم للعلوم ومتابعة الجديد في تخصصاتهم، وعلى مستوى جيد في الجانب التربوي، فهم يجيدون التعامل مع الطلاب من الفئات العمرية.
وبما أنه من المفترض أن تقوم وحدة الجودة بكل كلية بعمل استبيانات لتقيم آداء الاساتذة في كل فصل دراسي، لذلك أقترح تفعيل الاهتمام بنتئج تلك الاستبيانات، وترك الاعتناء بالشكل علي حساب المضمون والجوهر، والله الموفق.
دكتور رضا محمد طه-استاذ مساعد-كلية العلوم-جامعة الفيوم