رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

امنعوا الضحك !!


لأننا نريد أن ينقرض هذا المجتمع كما انقرضت الديناصورات منذ فجر التاريخ.. وحتى يهنأ المجتمع بالبقية الكئيبة والمكتئبة التى ستبقى بعد الفناء والانقراض!! امنعوا الضحك حتى يضمن السادة أطباء الأمراض النفسية والعصبية اكتظاظ عياداتهم بالمرضى الذين يعانون من كل أمراض الدنيا.
 وليضمن مخرجو الأعمال الدرامية والمسلسلات التليفزيونية نسبة المشاهدة العالية التى ستعود بالعوائد العالية المرجوَّة على أصحاب قنوات العذاب والدموع وحب تعذيب وتهذيب المصريين، ظنًا منهم أن مسلسلات العذاب والدموع تلك ستسهم مساهمة فعالة فى التقليل من حجم الزيادة السكانية الرهيبة فى المجتمع المصرى .. ولكن يبدو أن المصريين يستهويهم هذا العذاب ؛ فيأتى للأسف بالنتيجة العكسية لاتجاه الريح، لأنه شعب كما يقولون فى بعض لحظات المرح البخيلة أنه: «شعب مالوش كتالوج»!! امنعوا الضحك.. لأنه يفيد العقل والجسم ويحقق السعادة والسلام النفسى، ويضمن التجديد للخلايا التى قاربت على الذبول والخروج من الخدمة، ويقلِّل ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب ويزيد نسبة الأوكسجين المتدفق فى شجرة الرئة التى تمنح نبضات الحياة فى القلوب والصدور المتعبة.. فهل أنتم فاعلون حتى تضمنوا الانقراض والاندثار لهذا الشعب؟

يا سادة يا كرام.. نحن بحاجة ماسة إلى تجفيف نهر الدموع الذى يتدفق من مآقى المصريين منذ فجر التاريخ.. منذ شيَّدنا صروح الأهرامات بالكرباج والسخرة، وحفرنا قناة السويس تحت وطأة رغبات المهندس «ديليسبس» وكرباج أفندينا، وحفرنا تحت الأرض بأساليب القمع الديكتاتورية لكى تشهد عاصمة مصر المحروسة أول عربات «مترو الأنفاق»، وتم كل هذا بملاليم لاتكفى حتى للعيش الحاف.. حتى شعراء العرب الأجلاَّء حين راحوا يتغزلون فى جمال العيون.. لم يجد الشاعر ـ كرَّم الله وجهه ـ فى كل حروف اللغة العربية سوى تلك الحروف التى قال فيها: «إن العيون التى فى طرفها حورُ........................ «قتلننا» ولـم يحيين قتلانا»!!.. وكأنه بهذا يضع ملحًا فوق جُرح ولم يتركنا نتأمل جمال تلك العيون الحوراء.. بل قام بتضفير البيت الشعرى الرائع بمعانى القتل والدموع!!.. إذن .. فلقد آن الأوان لأن نستعيد الكوميديا الراقية كما فعل بنا العملاق الفنان نجيب الريحانى فى روائعه، والفنان إسماعيل يس.. الذى نتسابق لمشاهدته كل يوم ونشاهده وكأننا نشاهده لأول مرة حتى ننعم بلحظات الضحكات الراقية التى تُمتع القلب والروح والوجدان.

ولنا أيضاً أن نأخذ من الرسول صلى الله عليه وسلم العبرة والأسوة الحسنة .. فلقد وصفت السيدة عائشة ملامح ضحك النبى - صلى الله عليه وسلم- «ما رأيت رسول الله مستجمعًا أى مبالغًا فى الضحك قط حتى أرى منه لهواته أى اللحمة التى بأعلى الحنجرة من أقصى الفم إنما كان يتبسم». وسُئلت السيدة عائشة ، كيف كان الرسول إذا خلا فى بيته، فقالت: «كان ألين الناس وأكرم الناس،وكان رجلاً من رجالكم إلا أنه كان ضحاكا بساماً». وأيضًا ترك لنا مقولة ساحرة لابد من الأخذ بها .. حين قال فى صيغة ما يشبه الأمر: تبسَّم .. فإن تبسُّمك فى وجه أخيك صدقة.

هل أنا أطلب رابع المستحيلات بعد الغول والعنقاء والخل الوفى؟ إننى أطلب فقط اتساع مساحة الضحكة والابتسامة .. كما أراكم ـ أعزائى القراء ـ الآن وأنتم تبتسمون مع وقع سطورى التى أحاول فيها نقش الابتسامة على وجوهكم. امنعوا الضحك..امنعوا الابتسام.. امنعوا الكلام، فلقد انتهيت من رسالتى إليكم.. وسأبتسم بفرح معكم فى مفتتح العام الجديد.

مركز اللغات والترجمة-أكاديمية الفنون