رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قنوات الطعام.. لماذا؟! «١-٢»


يا ترى ما السر الخفى وراء هذا اللُّهاث والملاحقة لها إذا ما استبعدنا الاكتئاب كسبب خفى يدفع الناس إلى تعاطى الطعام بهذا الشكل؟! وكيف تتخلى القنوات الأخرى عن مشاهديها الذين انصرفوا عنها دون دراسة أسباب انجذابهم، حتى يصلحوا من أنفسهم ويعيدوا البريق إلى المادة الإعلامية التى يقدمونها.

الطريق إلى قلب الرجل معدته! والطريق إلى عين وقلب المشاهد الجديد والممتع من الأعمال الفنية أو البرامجية التى لها مردود مؤثر وملموس فى حياته، لكن من اللافت فى السنوات الأخيرة أن هناك اهتمامًا شديدًا وإقبالاً متزايدًا على متابعة برامج «الطبخ»، وتطالعنا الفضائيات بقنواتٍ جديدة متخصصة فى فن الطعام، بعد أن كانت مجرد فقرة فى برنامج على مدار اليوم، والمستغرب هو هذا التحول فى ذوق المشاهدين. فبرغم وجود هذا الكم من الأفلام والمسلسلات وبرامج التوك شو والمنوعات الغنائية وغيرها التى كانت تتصدر اهتمام المشاهدين فى السابق، إلا أنهم بدأوا ينصرفون عنها بشكلٍ ملحوظ مؤخرًا إلى وصفات الطعام وتنوع صنوفه على أيدى الطهاة من مختلف الجنسيات.

والمستغرب أيضًا أن الإقبال على هذا النوع من البرامج والقنوات لا يتوقف على النساء، بل نجد مداخلات تليفونية من الأطفال والرجال يستفسرون فيها عن مقادير ووصفات وطرق الطهو لنوعيات من الطعام يفضلونها، وكأنهم يزرعون فى الطفل منذ نعومة أظفاره الاهتمام بالغذاء المادى دون الاهتمام بغذاء العقل وإثراء الوجدان، واهتمامه بكل ما يفتح الشهية وامتلاء المعدة دون العقل، ناهيك عن المكاسب التى تجنيها تلك القنوات من مؤشرات ارتفاع نسبة المشاهدة.. التى تتحول إلى دولارات فى جيوب أصحابها.. دون النظر إلى العمل على الارتقاء بالهوية المصرية، وكأنها مؤامرة ممنهجة لإنهاك العقل والجسد المصرى من كل ناحية.. ترى.. هل هم واعون لذلك أم هى سياسة هدم مقصودة؟

والسؤال الذى يفرض نفسه: ما سر هذا التحول فى ذائقة المشاهدين؟ هل هى حالة اكتئابية أصيبوا بها؟ والمعروف أن هناك صلة وثيقة بين الاكتئاب والطعام، فالمكتئب كثيرًا ما يقبل على تناول الطعام ليطفئ حزنه ويغيِّر من حالته النفسية والمزاجية المتدهورة.

والملاحظ أيضًا أنه امتد ليشمل المشروعات التجارية، فقد انتشرت المطاعم و«الكافيهات» بصورة لافتة للنظر، حيث تشهد ازدحامًا شديدًا فى معظم الأوقات، فى حين تكاد تخلو بقية المحال التى تعرض سلعًا مختلفة من المترددين عليها. إذن.. الناس تلاحق الطعام أينما وجد تليفزيونيًا داخل منازلهم أو خارجها فى المطاعم.. يا ترى ما السر الخفى وراء هذا اللُّهاث والملاحقة لها إذا ما استبعدنا الاكتئاب كسبب خفى يدفع الناس إلى تعاطى الطعام بهذا الشكل؟! وكيف تتخلى القنوات الأخرى عن مشاهديها الذين انصرفوا عنها دون دراسة أسباب انجذابهم، حتى يصلحوا من أنفسهم ويعيدوا البريق إلى المادة الإعلامية التى يقدمونها.

أمام تلك الظاهرة التى تثير الدهشة، واحتلت كل مساحات الشاشات الفضية، هل نحن فى حاجة ماسة إلى الاستعانة.. أو على الأصح الاستغاثة بعلماء الطب النفسى للبحث والتقصّى فى جذور المجتمع المصرى لاستنباط الأسباب الجوهرية والدوافع التى جنحت بالشعب المصرى ـ على اختلاف طوائفه ـ إلى الامتثال لتلك البرامج التى تهتم بالطعام وأنواعه والتفنن فى أشكاله المتعددة، رغم معاناة غالبية الطبقات ماديًا، وتطحنها المتطلبات الحياتية الضاغطة فى مجابهة الخلل المشين فى المنظومة التعليمية بالدروس الخصوصية، والخلل المقيت فى المنظومة الصحية ومواجهة اتقاء الأمراض التى تنهش فى الجسد المصرى وأرهقته كثرة المعاناة والمحن المتتالية؟!..... والبقية غدًا.

مركز اللغات والترجمة ـ أكاديمية الفنون