رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأقباط يحتفلون بـ«أحد الشعانين»: «خلّصنا يا مسيح»

جريدة الدستور

تحتفل الكنيسة الأرثوذكسية، برئاسة البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، بـ«أحد الشعانين»، وهو عيد دخول المسيح إلى مدينة أورشليم، استعدادًا لمُحاكمته زورًا، وصلبه ثم قيامته من الأموات، وهو اليوم الذى يعد بداية أسبوع الآلام.

وأطلق على «أحد الشعانين» ذلك الاسم وفق كلمة «هوشعنا» التى رددها مستقبلو المسيح أثناء دخوله مدينة أورشليم، التى تعنى «خلصنا»، كما يُعرف اليوم شعبيًا بأحد السعف أو أحد الخوص، وعربيًا بأحد الزيتونة، نظرًا لاستخدام سعف النخيل والخوص وأغصان الزيتون فى استقبال المسيح، سواء بالتلويح بها أو فرشها على الأرض ليمر فوقها.

آلاف السودانيين بمصر يشاركون بالاحتفالات فى دير سمعان الخراز

يحتفل آلاف المسيحيين من مختلف الإيبارشيات بـ«أحد الشعانين- السعف» فى دير القديس سمعان الخراز بالمقطم، ويشارك فى الاحتفال بكثافة هذا العام السودانيون المقيمون فى مصر.

قال بيتر موريس، خادم فى دير القديس سمعان الخراز، من فريق الكشافة، إن احتفالات الدير تختلف عن أى احتفالات فى أى مكان آخر، مؤكدًا: «دير القديس سمعان يتميز بأجواء خاصة فى أحد الشعانين».

وأوضح «موريس»، لـ«الدستور»: «تبدأ احتفالات أحد الشعانين من عشية الاحتفال مساء السبت، ويشارك بها أقباط من إيبارشيات مختلفة، يحضرون صلوات العشية ويشترون السعف لصنع مشغولات يدوية احتفالًا بهذه المناسبة».

وأضاف أن شراء السعف مظهر من مظاهر البهجة لدى الأطفال والكبار، وهو تذكار دخول السيد المسيح إلى أورشليم، ويستخدم الأقباط السعف لأنه كان رمزًا لاستقبال الناس للمسيح فى هذه المناسبة، والأقباط يحيون هذه الذكرى بنفس الشكل.

وأكد «موريس» أن دير القديس سمعان الخراز بالمقطم يستقبل الآلاف من السودانيين المقيمين بمصر، الذين يحرصون على زيارة الدير طوال العام، ويحبون بشكل خاص مشاركتنا هذه المناسبة.

وتابع: «يحرص السودانيون على ارتداء ملابسهم التراثية خلال الحفل، ويكون التنوع سهل الرصد»، مؤكدًا: «يحرص السودانيون على مشاركة المسيحيين المصريين الاحتفال بالشكل الطقسى المعتاد، من خلال حرصهم على شراء السعف وعمل تيجان ومشغولات يدوية بالسعف احتفالًا بتذكار دخول السيد المسيح أورشليم».

وذكر أن السودانيين، أيضًا، خلال مشاركتهم بالاحتفال فى قداس أحد الشعانين، يرددون ترانيمهم الخاصة بهذه المناسبة، ويشاركون الحضور التراتيل القبطية، أيضًا، وتراتيل أحد السعف، وأبرزها لحن «أوصانا».

وقال إن دير القديس سمعان الخراز أصبح مهتمًا بخدمة السودانيين المقيمين فى مصر بعد الحرب بالسودان، بشكل مكثف، من خلال تقديم خدمات روحية لهم.

تشديدات أمنية فى محيط الكنائس.. وتكليف الكشافة بتفتيش حقائب الزائرين

تحيى الكنائس «أحد الشعانين» بالتنسيق الكامل مع الأجهزة الأمنية، التى تتولى تأمين محيطها، وتنظيم عملية الدخول والخروج، وأصدرت الكنائس تعليمات بعدم دخول السيارات إلى محيطها خلال فترة الاحتفالات، بالإضافة إلى تركيب كاميرات مراقبة ووضع مصدات حديدية خارج أسوارها.

قال جورج فهمى، أحد قادة الكشافة الكنسية، إن هناك مراحل متعددة يجب على المُصلى أو الزائر أن يمر عليها لتأمين عملية الدخول، ويحرص كل فرد من الكشافة على الحضور أمام البوابات والاطلاع على هوية الزائر، وسبب دخوله، سواء للصلاة أو لاتخاذ إجراء إدارى أو تغطية صحفية أو ما شابه.

وأضاف أن المرحلة الثانية من التأمين مرحلة البوابات الحرارية والتفتيش، وغالبًا ما تتم بمعرفة الأمن الإدارى أو شركات الأمن الخاصة التى تتعاقد معها الكنائس، لافتًا إلى أن الفرق الكشفية تتولى عملية تفتيش الحقائب للتأكد من خلوها تمامًا من أى أسلحة بيضاء، أو أى مواد قابلة للتفجير أو الاشتعال، وذلك بعدما يمر الزائر نفسه من البوابة الحرارية، التى تكشف عما بحوزته من معادن. 

وتابع: «المرحلة الأخيرة من التأمين مرحلة التسكين، ويتولاها النشء الكشفى وشباب الكشافة، ويتولون الاطلاع على دعوة الزائر فى حال وجود دعوات، وكذلك تسكين الرجال والسيدات والشباب والشابات فى المقاعد المُخصصة لهم».

قيود على احتفالات القدس وقصرها على الصلوات والشعائر الدينية

قال القمص يسطس الأورشليمى، كاهن الكنيسة القبطية بالقدس: «فى الساعة التاسعة من يوم الإثنين يجتمع الشعب فى الكنيسة الكبرى حتى المساء، ينشدون بلا انقطاع الترانيم ويتلون القراءات، أما فى عصرنا الحالى فيؤدون صلوات البصخة المقدسة فى البطريريكة القبطية بدير الأنبا أنطونيوس بجانب كنيسة القيامة».

وأضاف «الأورشليمى»: «قديمًا، يوم الثلاثاء كان المحتفلون يتوجهون إلى جبل الزيتون؛ حيث يدخل الأسقف إلى المكان الذى كان يعلم فيه السيد المسيح تلاميذه، وبعد الانتهاء يبارك الشعب، أما فى عصرنا الحالى فيقومون بصلوات البصخة المقدسة فى البطريريكة القبطية بدير الأنبا أنطونيوس الملاصق لكنيسة القيامة».

وتابع: «يوم الأربعاء يحدث كما كان يحدث فى يومى الإثنين والثلاثاء قديمًا، ويسير المسيحيون مع الأسقف على أنغام الترانيم حتى كنيسة القيامة، ويدخل الأسقف إلى المغارة ويقف أحد الكهنة ويقرأ الإنجيل، الذى فيه انطلق يهوذا إلى اليهود ليفاوضهم فى تسليم المسيح، فى عصرنا الحالى يقومون بصلوات البصخة المقدسة فى البطريريكة القبطية بدير الأنبا أنطونيوس الملاصق لكنيسة القيامة، وقد يذهب بعض الآباء الكهنة مع الحجاج إلى نهر الشريعة، ويقومون بصلوات إحدى ساعات البصخة المقدسة، ثم النزول إلى نهر الشريعة بملابس بيضاء التى ستكون كفنهم بعد رحيلهم».

وأصدرت بطريركية الروم الأرثوذكس فى مدينة القدس، تعميمًا بتقييد الاحتفالات لهذا العام واقتصارها على الصلوات والشعائر الدينية، بسبب الظروف الراهنة والصعبة فى الأراضى المقدسة، مؤكدة أنه سيجرى تسليم النور المقدس على أبواب الكنائس دون شعائر احتفالية خارجة عن الشعائر الدينية.

وقالت البطريركية، إنه بمناسبة أسبوع الآلام، الذى يُعتبر الأسبوع الأقدس فى الحياة المسيحية، نستحضر ذكرى الأحداث التى أدت إلى صلب المسيح وقيامته المجيدة، وتشكل طقوس أسبوع الآلام وسبت النور لحظة مهمة تجمع المؤمنين بنور المسيح، فتنطلق من كنيسة القيامة لتُنير العالم على مدى ما يقرب من ألفى عام مضت بشعائر تستقطب المسيحيين من جميع أنحاء العالم.

وأضافت: «فى ظل الظروف الراهنة التى تشهدها الأراضى المقدسة جراء الحرب المستمرة على غزة، ستقيد الاحتفالات بيوم سبت النور لهذا العام واقتصارها على ترتيبات الوضع القائم (الستاتيكو) المعمول بها منذ قرون فى القدس، أما فى باقى المناطق، فسيتم تسليم النور المقدس على أبواب الكنائس دون شعائر احتفالية خارجة عن الشعائر دينية».

وتابعت: «تُؤكد الأوضاع الراهنة، والحزن العميق الذى يسود الأراضى المقدسة، أهمية مشاركة ضحايا الحرب آلامهم، وتخصيص الوقت الكافى للصلاة والتأمل فى المعنى الروحى لأسبوع الآلام وعيد القيامة».

نغمة موسيقية خاصة للدخول فى أجواء عيد الصليب

قال المرتل حربى منير، إن «أحد الشعانين» تعزف فيه نغمة موسيقية مميزة، وبمجرد أن يستمع الداخل إلى الكنيسة إليها يعيش أجواء عيد الصليب، لأن هذه النغمة الشعانينى لا يصلى بها إلا فى هذه المناسبة فقط.

وأشار إلى أن هناك ٥ نغمات يصلى بها فى الكنيسة، الأولى هى النغمة السنوى التى يُصلى بها فى أيام الصلاة العادية، بعيدًا عن الأصوام والأعياد، والنغمة الفرايحى التى يصلى بها فى الأفراح، والخماسين المقدسة وأيام الأعياد، والنغمة الكيهكى التى يصلى بها فى شهر كيهك، والنغمة الحزاينى التى يصلى بها فى الجنازات وأسبوع الآلام، والنغمة الشعانينى التى يصلى بها فى أحد الشعانين وعيد الصليب.

وأكمل: «عقب انتهاء صلوات قداس أحد الشعانين، يحرص الأقباط دائمًا على حضور طقس التجنيز العام، لأن الكنيسة تمتنع عن الصلاة على أى متوفى، خلال فترة أسبوع الآلام، انشغالًا بالمسيح المتألم والمصلوب فداءً للبشر، بل تكتفى بأن يحضر جثمان المتوفى ساعة من صلوات البصخة».

وتابع: «لا يرفع البخور خلال أيام البصخة المقدّس التى تبدأ مساء أحد الشعانين، الذى يبدأ ٢٨ أبريل، وتستمر حتى صباح خميس العهد».

بائع: السعفة بـ15 جنيهًا.. ومجانًا لغير القادرين

كشف «جابر»، أحد خدام الترتيب فى الكنائس، ويبيع السعف فى موسم أحد الشعانين، أنه يحصل على السعف من النخيل المجاور للكنيسة التى يخدم بها، ويعرّضه للماء دوريًا حتى لا يجف.

وأضاف: «لا سعر محددًا، فهناك ما يُباع بـ١٥ وهناك ما يصل إلى ٤٠ جنيهًا، حسب حجم السعفة، وهناك من لا يقدر على الشراء، فأعطيه السعفة هدية، مشاركًا إياه احتفالات المناسبة والعيد».

وأشار إلى أن الأقباط يحملون السعف فى تمام السادسة صباحًا، لمحاكاة استقبال المسيح لحظة دخوله أورشليم، ويحملون الخوص وأغصان الزيتون ويلوحون به أو يفرشونه على الأرض ليمر فوقها.

العبور من الظلمة والخطيّة إلى النور والبر

بين المهندس مرقس حنا، الباحث الكنسى، أن «أسابيع الصوم الكبير تبدأ يوم الإثنين، وتنتهى يوم الأحد، ولذا نجد أن الصوم غالبًا ما يبدأ يوم الإثنين، لذا فإن واقعيًا يوم أحد الشعانين هو ختام أسبوع الشعانين- سابع أسابيع الصوم الكبير من الناحية الكنسية- وعلى الرغم من ذلك هو بداية أسبوع الآلام».

وأضاف «حنا»، لـ«الدستور»: «لعل السبب هنا أن الكنيسة تبدأ صلوات البصخة المقدسة، وكلمة بصخة لها أصل عبرى يعنى عبور، فى إشارة إلى العبور من الظلمة والخطية إلى النور والبر، وتبدأ صلوات البصخة من مساء يوم أحد الشعانين، إذ إن الكنيسة تصلى ليلة اليوم، ثم باكر اليوم، ثم اليوم نفسه، ولكل منهما صلواته خلال فترات أسبوع الآلام».

من جهته، قال مرقس ميلاد، الباحث القبطى، إنه مع اقتراب نهاية الصوم الأربعينى المقدس «الصوم الكبير» تبدأ أقدس أيام السنة، وهى أسبوع البصخة المقدسة، الذى يسمى شعبيًا «أسبوع الآلام»، ويبدأ من مساء يوم أحد الشعانين وينتهى بعيد القيامة المجيد.

وأضاف «ميلاد»، لـ«الدستور»: «كلمة بصخة هى كلمة آرامية الأصل، وقد انتقلت إلى اللغة العربية بنفس النطق، وهى تعنى (عبور)، واستخدمت تلك الكلمة فى العصور الأولى للمسيحية للتعبير عن موت الرب وقيامته معًا».

وأوضح: «أما عن أحد الشعانين، فهو من الأعياد السيدية الكبرى، التى تحتفل بها كنيستنا القبطية الأرثوذكسية، وذلك لأهمية العيد، فهو مقدمة لخلاصنا؛ حيث يبدأ السيد رحلة الأمة الخلاصية من أجلنا».

وتابع: «ذكر لنا ابن سباع أن المؤمنين من يوم السبت ليلًا، يبدأون فى قطع سعف النخيل وأغصان الزيتون ويصنعون منها صليبًا، ويذهبون بها إلى قلاية- سكن- الأب البطريرك، وفى أيادى الكهنة المجامر والشمامسة حاملين الشموع ويبدأون بزفة دخول البطريرك إلى الكنيسة، وكان يعرف هذا العيد فى كتب المؤرخين باسم أحد الزيتونة أو عيد الزيتونة».

وأكمل: «من الروايات التاريخية التى ذكرها المقريزى وغيره من المؤرخين أن لكل إقليم فى مصر طريقة فى الاحتفال؛ فكان أقباط أخميم فى يوم عيد السعف يخرجون مع الشمامسة بالمجامر والمباخر والصلبان والأناجيل والشموع ويقفون على باب القاضى، فيبخرون ويقرأون فصلًا من الإنجيل، ثم يكررون ذلك المشهد على أبواب أعيان المسلمين، أما أهل الإسكندرية فيخرجون ليلًا وفى أيديهم أغصان الزيتون ويشقون بها الطرقات والسوق من كنيسة أبى سرجة».

وأوضح: «فى وقتنا الحالى أصبحت تلك الدورة والصلاة تقام داخل الكنيسة، ويقرأ فيها ١٢ فصلًا من الإنجيل أمام ١٢ أيقونة فى الكنيسة، وتقام تلك الدورة مرتين؛ الأولى فى عيد أحد الشعانين، والثانية فى عيد الصليب».

وتابع: «كلمة بصخة هى كلمة آرامية الأصل، وانتقلت إلى اللغة العربية بنفس النطق، وتعنى عبور، ولا تعنى الآلام بأى حال من الأحوال، واستخدمت الكنيسة فى العصور الأولى كلمة بصخة للتعبير عن موت الرب وقيامته معًا».

وأضاف: «أول ذكر لتعبير (أسبوع الآلام) فى مجمع ترولو سنة ٦٩٢م، وهو مجمع خاص بالكنيسة البيزنطية، وقد ذكره بتعبير «أسبوع الآلام الخلاصية»، ولم يستخدم تعبير (أسبوع الآلام) فى كنيسة الإسكندرية على الإطلاق، ففى العصور الوسطى استخدموا تعبير (جمعة البصخة) وطبعًا المقصود بها (أسبوع البصخة)».

وقال: «فى مخطوط ترتيب البيعة المقدسة حتى أوائل القرن العشرين، يستخدم دائمًا تعبير (ترتيب جمعة الآلام المحيية)، أما الوحيد الذى ذكر (أسبوع الآلام) دون ذكر كلمة المحيية أو الخلاصية، فهو يوحنا بن سباع، منذ القرن الـ١٣ ولم يطلقها من سبقوه أو لحقوه على هذا الأسبوع».