رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عيد التحرير.. خبراء عسكريون: المصريون استعادوا أرض سيناء كاملة بالحرب والسلام والمفاوضات والتحكيم الدولى

تحرير سيناء
تحرير سيناء

فى الخامس والعشرين من شهر أبريل من كل عام، تحتفل مصر بذكرى تحرير سيناء، وذكريات النصر والعزة والكرامة، وخروج آخر جندى إسرائيلى من أرض سيناء فى عام ١٩٨٩، بعد انتصار مصر فى الحرب والسلام والتحكيم الدولى، وتسلم أرض طابا، ورفع الرئيس المصرى الأسبق محمد حسنى مبارك العلم المصرى على رمال أرض الفيروز، جانيًا بذلك ثمار جهود عسكرية ودبلوماسية وقانونية خاضتها مصر على مدار ما يقرب من ٢٢ عامًا.

وفى الذكرى الـ٤٢ لعيد تحرير سيناء، تحدثت «الدستور» مع اثنين من رموز العسكرية المصرية، لفهم حقيقة الإنجاز الذى تحقق على أرض الواقع، وطبيعة التضحيات والجهود التى بذلت من أجل تحقيق النصر المصرى فى الحرب والسلام، بالإضافة إلى الخطوات التى تتخذها الدولة المصرية فى الوقت الحالى للمحافظة على سيناء، وحمايتها من كل مَن يحاول استهدافها بسوء.

 

هشام الحلبى: فلسفة الدولة تقوم على التنمية.. والقوات المسلحة جاهزة دائمًا لحماية كل شبر من الوطن

هنأ اللواء طيار هشام الحلبى، مستشار الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، الشعب المصرى وقواته المسلحة بمناسبة عيد تحرير سيناء، مشيرًا إلى أن الدول الكبيرة تواجه عادة الكثير من التحديات على مر تاريخها، وكان من أكبر التحديات والتهديدات التى واجهت مصر قبل عام ١٩٧٣ أن جزءًا من أراضيها كان مسلوبًا وهو سيناء.

وقال «الحلبى»: «رغم أن التحدى كان ضخمًا، وأن الأرض كانت تحت سيطرة إسرائيل، لكن الدولة المصرية، بكل مؤسساتها وشعبها، لم تستسلم، وتم التخطيط والتنفيذ الاحترافى لحرب أشاد بها العالم أجمع، ولا يزال يتم تدريسها فى الأكاديميات العسكرية، وهى حرب أكتوبر ١٩٧٣». 

وأوضح أنه لولا حرب أكتوبر ١٩٧٣ ما كان هناك مشروع للسلام، إذ إن إسرائيل قبل هذه الحرب لم تكن لتقبل بالتنازل عن سيناء، أى أنها كانت توافق على السلام مع مصر مع عدم الخروج من سيناء، الأمر الذى كان مرفوضًا تمامًا من الجانب المصرى.

وأضاف: «بدأت مصر وقتها مشروع سلام يستند على مبدأ مهم للغاية، وهو (الأرض مقابل السلام)، وهذا هو المبدأ الذى كانت ترفضه إسرائيل قبل الحرب، إلا أن موقفها تغير تجاهه بعد هزيمتها فى عام ١٩٧٣».

وأشار إلى أن مصر خاضت خلال تلك الفترة وبعد الحرب معركة تفاوضية صعبة، شاركت فيها جميع أجهزة الدولة ورجالها، وعلى رأسهم الرئيس الراحل محمد أنور السادات، رحمه الله، واختتمت المفاوضات بتوقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية.

وأشار مستشار الأكاديمية العسكرية إلى أن المعاهدة أسفرت عن جدولة انسحاب القوات الإسرائيلية من سيناء، لكن إسرائيل رفضت الانسحاب من طابا، وهو جزء عزيز على مصر، فخاضت الدولة المصرية فى ذلك الوقت جولة مهمة للغاية لاستعادة أرضها، من خلال اللجوء لمحكمة العدل الدولية، واستطاعت كسب القضية، واستعادة آخر شبر من أرض سيناء.

واستطرد: «من خلال الخطوات المتتالية، تم استرجاع سيناء بالحرب والمفاوضات ثم التحكيم، وهو ما يمثل ملحمة بطولية رائعة». 

وناشد اللواء طيار هشام الحلبى الشباب المصرى عدم القلق إزاء تعرض الدولة المصرية لضغوطات أو تحديات أو تهديدات، قائلًا: «إن آباءكم وأجدادكم المصريين لم يقلقوا، بل فكروا بشكل علمى محترف فى الحرب والسلام، وأيضًا فى التحكيم، وذلك لأن التحديات التى تواجه الدولة المصرية لن تنتهى، فهذه طبيعة العالم، وأنصح كل شاب باللجوء للأسلوب العلمى فى حل المشكلات ومواجهة التحديات، والاسترشاد بما حدث فى الماضى، وكيفية العمل وفق منظومة متكاملة، تضمن اللجوء للحرب والسلام والتحكيم لإعادة سيناء إلينا مرة أخرى».

وأردف: «حرب ١٩٧٣ أعادت العزة والكرامة للمواطن المصرى والعربى، فضلًا عن تكاتف المصريين مع رئيسهم وإعطائه الفرصة الكاملة للتفاوض والوصول لمعاهدة سلام قوية، ما زالت راسخة حتى الآن، الأمر الذى أدى فى النهاية لاستعادة الأرض بالكامل».

وعن الأوضاع فى سيناء حاليًا، قال اللواء طيار هشام الحلبى إن أرض الفيروز تشهد حاليًا مشروعًا تنمويًا شاملًا بعد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، يعد الأضخم فى تاريخها، وتتمثل أول ملامحه فى إنشاء أنفاق تحت قناة السويس لربط سيناء بباقى أرض مصر، ما يسهل انتقال السكان إليها.

وأضاف: «فلسفة الدولة المصرية فى حماية سيناء تقوم على التنمية، والقوات المسلحة جاهزة دائمًا لحماية كل شبر من أرض الوطن، لذا تعمل الدولة فى الوقت الحالى على التنمية المستدامة لسيناء، من أجل حمايتها، كما أن تنمية محور قناة السويس وازدواج القناة يمثلان عاملًا إيجابيًا يصب فى صالح مشروعات التنمية، جنبًا إلى جنب مع مد وإصلاح الطرق وتطوير المطارات وتنمية المقاصد السياحية، مثل منطقة سانت كاترين».

وأوضح «الحلبى» أن مشروعات التنمية الحالية فى سيناء تتسم بأنها مستدامة، ما يراعى حق الأجيال الحالية والقادمة، كما أنها تتضمن تنمية اقتصادية ولها أبعاد اجتماعية واضحة للغاية، وهو ما يلقى صدى إيجابيًا لدى أهالى سيناء، كما أنه يجذب إليها سكانًا من خارجها.

وشدد على ضرورة عدم نسيان أن معركة التنمية فى أرض الفيروز تزامنت مع معركة مكافحة الإرهاب فى سيناء، وسط سعى الجماعات الإرهابية إلى الاستيلاء على أجزاء منها، وهو ما واجهته الدولة المصرية خلال معركة مهمة، بدأت ملامحها فى عام ٢٠١١، وانتهت بتنفيذ العملية الشاملة سيناء ٢٠١٨، التى أشاد بها العالم أجمع.

وقال: «هناك العديد من الدول التى كافحت الإرهاب لمدة ٢٠ عامًا ولم تنجح، أما الدولة المصرية، فقد استطاعت بواسطة جيشها وشرطتها ومواطنيها القضاء على الإرهاب فى سيناء فى سنوات قليلة». وأكد مستشار الأكاديمية العسكرية أن المخاطر على سيناء فى الوقت الحالى قد انخفضت كثيرًا، لأن الدولة المصرية أصبحت تسيطر على حدودها الأربعة، كما أن الإرهاب لم يعد موجودًا، لذا عادت الحياة لطبيعتها هناك.

واختتم حديثه بالقول: «المتغير الجديد الذى حدث مؤخرًا هو الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ومصر تحاول جاهدة وقف هذه الحرب، والوصول إلى مشروع سلام، من خلال مفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهناك محاولات حثيثة لتحقيق ذلك، لكن المشكلة أعمق من أن تحل سريعًا، ورغم هذا فإن هناك إصرارًا مصريًا على حل المشكلة، مع حشد العالم للوقوف وراء السلام، وبدأ العديد من الدول حاليًا بالمطالبة بتنفيذ (حل الدولتين) لإنهاء الصراع بشكل كامل».

محمد الغبارى: محاولات السيطرة على أرض الفيروز لن تنتهى.. والتعمير يحميها من أى عدوان

هنأ اللواء محمد الغبارى، الخبير الاستراتيجى ومدير كلية الدفاع الوطنى الأسبق بأكاديمية ناصر العسكرية، الشعب المصرى بأكمله بمناسبة عيد تحرير سيناء، راجيًا من الأجيال الجديدة العمل على الحفاظ على هذا النصر، وتقدير جهود المقاتلين والدبلوماسيين الذين استطاعوا إرجاع أرض طابا، التى كانت آخر جزء محتل من أرض الوطن.

وقال «الغبارى»: «تحرير سيناء لم يبدأ من المفاوضات التى تمت بين مصر وإسرائيل بعد نصر أكتوبر ١٩٧٣، بل بدأ عقب هزيمة ١٩٦٧، من خلال استعادة كفاءة القوات المسلحة وإعادة تنظيمها مرة أخرى، والدخول بها فى حرب الاستنزاف لمدة ٣ سنوات، وهى الحرب التى تعد حجر الأساس فى رفع الكفاءة القتالية للجندى المصرى خلال تلك الفترة، وحدث بها العديد من البطولات التى هزت عرش الجيش الإسرائيلى وعقيدته بأنه لا يقهر».

وأضاف: «بعد ذلك، تم الإعداد لحرب أكتوبر ١٩٧٣ على أعلى مستوى علمى وفكر استراتيجى، ويكفى أن هذه الحرب مسجلة فى سجلات العالم أجمع تحت مسمى (معجزة أكتوبر)، وهو تعبير يعنى أن هذا الحدث غير قابل للتكرار، خاصة أنه جاء نتيجة للعمل الجماعى الرائع للشعب المصرى، وجيشه، الذى استطاع على مدار الساعات الست الأولى من الحرب أن يعبر بـ١٨٠ ألف مقاتل، بمعداتهم وأسلحتهم للضفة الشرقية لقناة السويس، وهو عمل جماعى لم يحدث فى تاريخ الحروب أجمع».

وأوضح أن حرب أكتوبر تسمى أيضًا بـ«معركة الأسلحة المشتركة الحديثة»، وهى نوع من المعارك التى لم تحدث بعد الحرب العالمية الثانية، إلا خلال تلك الحرب، لذا يتم عبرها تدريس كيفية تعاون جميع أسلحة القوات المسلحة لتنفيذ مهمة واحدة، وهذا أمر يستحق الفخر فى كل وقت، والعمل للحفاظ على سمعة هذا النصر الكبير.

وعن التحديات التى تواجه أرض الفيروز منذ القدم، قال الخبير الاستراتيجى إن الدولة المصرية كانت تتعامل مع سيناء فى العصور السابقة على أنها «أرض عبور وليست أرض إقامة»، موضحًا أن الجيش المصرى كان يعبر هذه الأرض ليصل إلى بلاد الشام، لمحاربة أعدائه، سواء من الصليبيين أو التتار أو الفرس أو الأتراك أو غيرهم، ثم يحقق الانتصار ويعود مرة أخرى إلى داخل البلاد، أى أنها كانت تعد نطاقًا آمنًا لاستكشاف العدو.

وأشار إلى أن ذلك الأمر تغير بعد زرع دولة إسرائيل فى الشرق الأوسط، التى أصبحت العدو الرئيسى القابع على حدود سيناء، ما جعل هناك حاجة ضرورية للتعامل مع هذه الأرض على أنها «أرض إقامة وليست مجرد أرض للعبور».

واستطرد: «من هنا تم تغيير الفكر الاستراتيجى للتعمير بسيناء، من أجل تنميتها لتكون منطقة صالحة للسكن والاندماج مع باقى المدن المصرية، وهذه التنمية فى سيناء بدأت بإنشاء ٥ أنفاق وعدة كبارى وزيادة المعديات إليها، وبالتالى أصبح العبور لسيناء يتم دون قيود، كما تم استصلاح أراضٍ للزراعة، وخلق فرص عمل بأماكن عديدة داخلها، فى قطاعى المحاجر والمصايد وغيرهما، لتشجيع المواطنين على الإقامة بها».

وتابع: «وفقًا للمخطط الاستراتيجى لسيناء، فمن المفترض مع مستهل عام ٢٠٣٠ أن يسكن منطقة شمال سيناء نحو ٢ مليون مواطن تقريبًا».

وأشار «الغبارى» إلى أن «المخاطر والتحديات التى ستواجهها سيناء ستظل موجودة طالما بقيت إسرائيل، ومحاولات الدولة الإسرائيلية للسيطرة على سيناء لا تنقطع، لأن حدود دولتهم المذكورة فى بعض أسفار العهد القديم تبدأ من العريش إلى طابا فى سيناء، ثم تتجه شمالًا نحو الفرات».

وأردف: «فى معاهدة السلام، لم تكن إسرائيل ترغب فى الرحيل عن العريش، وهو ما تسبب فى حدوث العديد من المشكلات بين مصر وإسرائيل وقتها، لكنها اضطرت لقبول الأمر الواقع، والتخلى عن سيناء من أجل استكمال السلام، وانسحبت بالفعل من العريش لكنها حاولت الاحتفاظ بمنطقة طابا».

وأكمل: «نظرًا لرؤية القيادة السياسية الحكيمة فى ذلك الوقت، وفهمها هذا الأمر، أصرت فى المفاوضات على الرفض التام للوجود الإسرائيلى فى سيناء، وبعدها عرضت إسرائيل ما يسمى بـ(اتفاق تبادل الأراضى) فى عام ١٩٨٤ على مصر، أكثر من مرة، وحتى عام ٢٠١٤، وهو ما رفضناه، جملة وتفصيلًا، ثم تم عرضه مرة أخرى فيما يعرف بـ(صفقة القرن)، وهو خطر مستمر، فى ظل المخطط الإسرائيلى لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة والضفة الغربية إلى مصر والأردن، وهو ما أكد الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى رفضه مرارًا وتكرارًا».