رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأزمة السودانية المنسية

لـ«دعم السودان ودول الجوار»، استضافت العاصمة الفرنسية، باريس، الإثنين الماضى، مؤتمرًا دوليًا، انتهى بـ«إعلان سياسى» من ٨ فقرات تتضمن توصيات بلا آليات تنفيذ. وطبعًا، لم تكن صدفة أن يتزامن عقد المؤتمر، الذى دعت إليه فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبى، مع الذكرى السنوية الأولى لبدء الأزمة، أو الحرب الدائرة، بين القوات المسلحة السودانية وميليشيات الدعم السريع، التى قتلت الآلاف، وشرّدت الملايين، ودمرت البنى التحتية المتهالكة أساسًا، ودفعت البلد الشقيق إلى حافة المجاعة.

فى فبراير الماضى، قدّرت الأمم المتحدة احتياجات السودان من المساعدات الإنسانية بحوالى ٢.٧ مليار دولار، لم يتوافر منها، غير أقل من ٦٪، قبل مؤتمر باريس، الذى تعهد المشاركون فيه بتقديم أقل من مليار دولار، فى رواية، وأكثر من مليارين، فى رواية أخرى. كما سعت منظمة الهجرة الدولية، وما زالت، للحصول على ١.٤ مليار دولار أخرى، لدعم دول الجوار، التى تؤوى ملايين اللاجئين السودانيين. وعليه، جاء هذا المؤتمر لـ«إعادة وضع السودان على الأجندة الدولية»، و«تعبئة الأسرة الدولية لدعم السودانيين»، الذين وصفهم وزير الخارجية الفرنسى بأنهم «ضحية النسيان واللا مبالاة». 

سنة مرّت، إذن، على هذه «الأزمة المنسية» ذات العواقب الإنسانية الكارثية والمخاطر الجيوسياسية الكبيرة، التى سبقتها ثلاث سنوات، عاشها البلد الشقيق فوق فوهة بركان، حرفيًا وليس مجازًا، منذ الانفجار الشعبى، فى أبريل ٢٠١٩، الذى انتهى بالإطاحة بنظام عمر البشير. وهنا، قد تكون الإشارة مهمة إلى أن توم بيرييلو، المبعوث الأمريكى الخاص للسودان، زار القاهرة، فى ٢ أبريل الجارى، واستقبله السفير حسام عيسى، مساعد وزير الخارجية، مدير إدارة السودان وجنوب السودان. وجرى خلال اللقاء، مناقشة الجهود المبذولة للوصول إلى وقف فورى ودائم لإطلاق النار، والعودة إلى طاولة المفاوضات.

ما كانت مصر نسيَة، ولن تكون، إذ ساندت، ولا تزال، جميع جهود تعزيز السلام والاستقرار فى البلد الشقيق، ولم تدخر جهدًا لحل الأزمة، وتخفيف آثارها الإنسانية، مستندة إلى عدة ثوابت، أبرزها احترام إرادة الشعب السودانى، ورفض التدخل فى شئونه الداخلية، والحفاظ على مؤسساته الوطنية، التى تعد الضمانة الأساسية لحماية الدولة الشقيقة، وكل الدول، من خطر الانهيار. ومن هذا المنطلق، استضافت القاهرة، فى يوليو الماضى، «قمة دول جوار السودان»، التى انتهت بالتوافق على تشكيل آلية وزارية بشأن الأزمة، لوضع خطة عمل تنفيذية، تتضمن وضع حلول عملية، لوقف الاقتتال، والتوصل إلى حل شامل لتلك الأزمة، التى لم تحرز فيها الوساطات الدولية والإقليمية المتعددة، إلى الآن، أى تقدم يُذكر.

المبادرات المتنافسة، ولن نصفها بغير ذلك، أحدثت قدرًا من الارتباك فى طريقة تسوية الأزمة، وأدت إلى تدهور الأوضاع الإنسانية والأمنية. وعليه، جاء مسار «دول جوار السودان» استمرارًا للجهود والاتصالات، التى قامت بها مصر مع دول الجوار والقوى الدولية. واستكمالًا لتلك الجهود، شاركت مصر فى «مؤتمر باريس» بوفد ترأسه السفير حمدى لوزا، نائب وزير الخارجية للشئون الإفريقية، الذى استعرض فى كلمته، مجددًا، أهم الأهداف والمحددات المصرية لجهود حل الأزمة السودانية، التى كان من بينها العمل على اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة لوقف الدعم العسكرى للأطراف السودانية المتحاربة، والتنسيق والتكامل بين مبادرات ومسارات الوساطة المختلفة، وتكثيف العمل على تحقيق وقف إطلاق النار، وبحث الصيغة المطلوبة والمسار الأمثل، الذى يضمن سيادة ووحدة وسلامة أراضى السودان، ويحافظ على مؤسسات الدولة الشرعية من الانهيار، و... و... وقيام الدول المانحة بتنفيذ ما تعهدت به خلال مؤتمر الإغاثة الإنسانية، الذى استضافته مدينة جنيف السويسرية السنة الماضية.

.. وتبقى الإشارة إلى أن مصر كانت وجهة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السودانى، حين غادر السودان، لأول مرة، بعد بداية الأزمة، فى ٢٩ أغسطس الماضى. ثم زارها، مرة ثانية، فى ٢٩ فبراير الماضى. وفى المرتين، استقبله الرئيس عبدالفتاح السيسى، وناقش معه تطورات الأوضاع، والجهود الرامية لتسوية الأزمة، ما يضمن استعادة الاستقرار، ويحافظ على سيادة ووحدة وتماسك الدولة السودانية ومؤسساتها، ويلبى تطلعات الشعب السودانى الشقيق نحو تحقيق الأمن والاستقرار.