رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اتفاق أوروبى مع الشيطان!

هكذا، وصف داميان كاريم، النائب فى البرلمان الأوروبى عن «كتلة الخضر»، الاتفاق الجديد، الذى أقرّه ذلك البرلمان، أمس الأول الأربعاء، بشأن سياسات اللجوء، والذى يشدّد الضوابط، ويضع مزيدًا من القيود، على استقبال المهاجرين غير الشرعيين. فى حين قالت إيلفا جوهانسون، مفوضة الشئون الداخلية بالاتحاد الأوروبى، إن الاتفاق سيجعل التكتل «قادرًا على حماية حدوده بشكل أفضل»، كما رحبت به أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، ووصفته بأنه «خطوة كبيرة» لأوروبا.

تنص حزمة القوانين، التى تضمنها الاتفاق الأوروبى الجديد، على إقامة مراكز حدودية للمهاجرين غير الشرعيين، إلى أن يتم النظر فى طلبات لجوئهم، مع تسريع إجراءات ترحيل غير المقبولين منهم، وإتاحة إرسالهم إلى دول «آمنة» خارج حدود الاتحاد. وباسم التضامن الأوروبى، سيتوجب على دول الاتحاد استقبال طالبى اللجوء من الدول التى تقع «على خط المواجهة»، كما يمكن أن تقدّم دول التكتل الأخرى المال، وغير ذلك من الموارد، أو تساعد فى تأمين حدود الدول التى تعانى من الضغط. 

الاتفاق، الذى يتضمن عشرة قوانين، لم يعارضه نواب «كتلة الخضر»، واليسار المتشدد فقط، بل عارضه، أيضًا، نواب اليمين القومى، بزعم أنه لن يوقف تدفق اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، الذين يتهمونهم بتهديد الأمن والهوية الأوروبية. وفى حسابها على شبكة «إكس»، كتبت مارين لوبان، زعيمة حزب التجمع الوطنى الفرنسى، أنه سيسمح «للمنظمات غير الحكومية المتواطئة مع المهربين بالإفلات من العقاب»، وأكدت، ومعها جوردان بارديلا، ممثل حزبها فى البرلمان الأوروبى، أنهما سيسعيان إلى إلغاء هذا الاتفاق، بعد انتخابات يونيو المقبل، المتوقع أن يحصد خلالها اليمين القومى مزيدًا من المقاعد.

وسط هذه «المعجنة»، وفى ظل السياق الدولى المضطرب، الذى تتفاقم فيه الأزمات والكوارث، لا تزال مصر تفتح أبوابها، وتوفر الملاذ الآمن، للذين اضطرتهم الظروف إلى مغادرة بلادهم، وتتعامل معهم من منظور إنسانى، يكفل لهم العيش بكرامة. وهنا، قد تكون الإشارة مهمة، إلى أن البابا فرنسيس الثانى، بابا الفاتيكان، كان قد انتقد قوانين الهجرة وسياسات اللجوء الأوروبية، المعمول بها حاليًا، فى ديسمبر ٢٠٢١، خلال رحلته الخامسة والثلاثين، التى استمرت خمسة أيام قضاها فى قبرص واليونان، واتهم دول القارة العجوز بأن الأنانية القومية تمزّقها، وقال إن من يرفضون المهاجرين لا يتحدثون بالحماس نفسه عن الحروب وصناعة السلاح واستغلال الفقراء، وندّد بالاستغلال السياسى لقضية المهاجرين واللاجئين.

المهم، هو أن التصويت على الاتفاق، الذى دعمته الكتل الرئيسية فى البرلمان الأوروبى، جرى تحت ضغط تزايد طلبات اللجوء، خلال سنة ٢٠٢٣، إلى مستوى غير مسبوق منذ سبع سنوات، بلغ ١.١٤ مليون طلب، وفقًا لبيانات معهد «يوروستات». ومع كتلة الخضر وأحزاب اليمين القومى واليسار المتشدد، التى عارضت واحدًا أو أكثر من القوانين العشرة، أعربت منظمات خيرية وغير حكومية، معنية بشئون الهجرة، و١٦١ منظمة حقوقية، عن معارضتها الاتفاق إجمالًا، وقالت إنه «يعاقب المهاجرين وطالبى اللجوء»، ويجعل حصولهم على الحماية أكثر صعوبة، ويهدف فقط إلى تعزيز «الحصن» الأوروبى!

مع ذلك، قوبل الاتفاق الجديد بترحيب شديد من كل دول الاتحاد الأوروبى، التى تختلف أولوياتها الوطنية، باستثناء المجر، التى كتب رئيس وزرائها، فيكتور أوربان، فى حسابه على شبكة «إكس»، أن هذا الاتفاق «مسمار آخر فى نعش الاتحاد الأوروبى»، مؤكدًا أن «الوحدة ماتت، والحدود الآمنة لم تعد موجودة»، كما كتب بيتر سيارتو، وزير الخارجية المجرى، أن الاتحاد الأوروبى لم يقدم الدعم المالى اللازم لبلاده، من أجل التصدى لتدفق اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، على الحدود الخارجية للاتحاد.

.. وتبقى الإشارة إلى أن الاتفاق الجديد، كان محور نقاشات معقدة، وتسويات صعبة، طوال تسع سنوات تقريبًا، تحديدًا منذ سنة ٢٠١٥، حين استقبلت دول أوروبية أعدادًا كبيرة من اللاجئين، ورأى التكتل ضرورة التحرّك، بشكل موحّد، لمواجهة هذا التدفق، وصولًا إلى مشروع أو مقترح، هذا الاتفاق، الذى وضعته المفوضية الأوروبية، وتمّت مراجعته، سنة ٢٠٢٠، وجرى التوافق عليه فى ديسمبر الماضى.