رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

د. أحمد بلبولة: «العامية» فى «الحشاشين» تُوسع دائرة المشاهدات وتستعيد مجد اللهجة المصرية عربيًا

الدكتور أحمد بلبولة
الدكتور أحمد بلبولة

رأى الدكتور أحمد بلبولة، عميد كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، أن استخدام اللهجة العامية داخل مسلسل «الحشاشين» فرصة لاستعادة اللهجة المصرية على المستوى العربى، بعد أن كانت هى لغة الفنون كلها، ومعروفة لدى شعوب المنطقة، مضيفًا أن استخدامها فكرة ذكية من صناع العمل، وتأتى فى توقيت فارق تستعيد فيه مصر عرش الدراما العربية.

وأضاف «بلبولة»، خلال حواره مع الإعلامى محمد الباز، عبر برنامج «الشاهد» على قناة «إكسترا نيوز»، أن «الحشاشين» خلق حالة وعى جعلت المجتمع العربى كله وليس المصرى فقط، يتابعه، والبعض حاول أن يجد فيه ثغرة لكنه لم يجد، إضافة إلى أنه استطاع لفت نظر العالم كله إلى مسلسل مصرى مفاجئ مختلف.

كما رأى أن الجماهير ستقع فى حب شخصية عمر الخيام فى المسلسل، لأنها شخصية تحمل قيم الخير وإبراز الجمال، مشيدًا بالاعتماد على ترجمة الشاعر أحمد رامى فى رباعيات «الخيام» التى استعرضها المسلسل.

والدكتور بلبولة شاعر وأكاديمى وناقد أدبى، تخرج فى كلية دار العلوم وعمل بها معيدًا بقسم الدراسات الأدبية عام ١٩٩٨، وتدرج فى المناصب حتى شغل منصب أستاذ بقسم الدراسات الأدبية، كما عمل أستاذًا بجامعة هانكوك للدراسات الأجنبية بكوريا الجنوبية من عام ٢٠٠٩ حتى ٢٠١٣.

■ بداية.. ما الأفكار الأساسية التى جمعتها من مسلسل «الحشاشين»؟

- أهم فكرة فى مسلسل الحشاشين أن الجرح قديم، وله جذور، والتعامل مع المشكلات من جذورها هو قمة الذكاء؛ لأن فيه استئصالًا للحالة وانتزاعها واقتلاعها تمامًا من المجتمع، سواء فى مصر أو خارجها، وطموح مصر اليوم أكبر، فنحن الآن نمد يد العون للعالم، فى مواجهة الأفكار المتطرفة.

ومصر تنبه إلى أن فكرة الإرهاب ليست مقصورة على دولة بعينها فهى فكرة عالمية، وأن يتم تقديم ذلك فى إطار فنى فهذا هو الجديد، فالفن نوعى ومختلف وبه تحد وولادة جديدة للدراما المصرية.

■ كيف ترى فكرة استدعاء التاريخ وتوظيف التراث فى «الحشاشين»؟

- أوجه التحية لصناع «الحشاشين» على الالتفات للفكرة نفسها، هناك لغط دائر الآن حول مسألة الأخطاء التاريخية فى المسلسل وتسليط الضوء على روايات لم تصح، والمطلوب من الذى يتعامل مع التاريخ أن يتعامل مع ما تأثر به التاريخ.

هناك اتجاهات مختلفة فى التعامل مع التاريخ، هناك اتجاه يميل إلى مسألة كتابة الموروث كتابة حرفية، ولا يضيف كثيرًا، والمدرسة الكلاسيكية تميل إلى ذلك، مثل ما فعل أمير الشعراء أحمد شوقى فى «قمبيز»، وكذلك حافظ إبراهيم فى أعماله.

نجد ذلك أيضًا فى «الإلياذة الإسلامية» لأحمد محرم، ومسرحية «محمد» لتوفيق الحكيم، فالكاتب يلتزم بحرفية التاريخ ولا يتدخل فيه من قريب أو من بعيد.

الاتجاه الآخر هو الكتابة بالموروث، هنا أنا لدىّ قضية عصرية وأريد أن أحدث زخمًا كبيرًا فيها باستدعاء موضوع تاريخى، يسهم فى تسليط الضوء وإنعاش الذاكرة التاريخية لدى الأمة، ومضاعفة الأثر فى الموضوع المعاصر، يعنى إسقاطًا على الواقع، وهناك اتجاه آخر، وهو إعادة خلق التاريخ، ويتم التعامل مع فكرة الوعى الجمعى، الحاضنة المليئة بالمؤثرات التاريخية والحضارية.

وهناك مرحلة تسمى «هلوسة التاريخ»، وخير مثال عليها هو «أدونيس» فى كتابه «الكتاب أمس المكان الآن»، فهو هنا يعيد خلق التاريخ مرة أخرى، فيعيد مثلًا خلق شخصية المتنبى، وكذلك فعل رفعت سلام فى «أرعى الشياه على المياه»، أو فى «هكذا تكلم الكركدن».

والتاريخ والشعر والمرويات التاريخية والقرآن والحديث، تسكن الإنسان فى صورة أشباح، وعليه أن يختار طريقًا يسلكه ليتخلص من هذا العبء.

■ استدعاء «الحشاشين» دراميًا يدخل تحت أى مظلة؟

- استدعاء جماعة الحشاشين دراميًا يدخل فى مرحلة ما بين الكتابة بالموروث وإعادة خلق التاريخ. 

لأن الكاتب هنا تبنى مجموعة من الأساطير، التى حيكت ودارت وهى لافتة ذكية جدًا، لأن ما نعانيه الآن أننا نقع فى أسر الأساطير التى تُحاك حول هذه الجماعات.

ونحن بالفعل تسكننا الأساطير، وتستخدم كل الوسائل فى الترويج للشخصيات، مثل الخرافة والأحلام والكذب، لتضفى طابعًا أسطوريًا على الشخصية، بحيث ترتفع عن حدودها البشرية، وأنها تنزل من السماء مباشرة دون وسيط، وهذه هى الجزئية المحورية فى تاريخ «الحشاشين».

شخص مثل حسن الصباح بممارسات متعددة، يستخدم أحيانًا المعرفة والعلم والرياضيات والسحر، ليكتسب هذا الطابع الأسطورى، ومن ثم يُصدق ويصبح حجة ومرجعية.

ومحمد حسنين هيكل حين عبّر عن حضور يوسف القرضاوى فى ميدان التحرير، ربطه مباشرة بالمرجعية الشيعية فى إيران والمرشد «خامنئى».

■ البعض قال إن قيادات هذه الجماعات تنحى الرسول وتتصل مباشرة مع الله.. ما رأيك؟

- نظرة طائفة الحشاشين للنبى غريبة جدًا، فهى تنظر إلى النبى على أنه المرشد الظاهرى، الذى نزلت معه الشريعة، لكن الإمام على هو المرجع الوحيد، وفى بعض الكتب الخاصة بها، تسمى الإمام ظل الله أو وجه الله، وهو الذى يمتلك التأويل، لدرجة أن بعض فرقها المارقة جدًا وصل لدرجة تأليه الإمام على وحسن الصباح.

أفراد طائفة الحشاشين يتوجهون فى البداية إلى الذى لا يمتلك المعرفة، ويدخلون من باب المظلومية ويمثلون دور الضحية، وأن الخلاص مع مَن ينشد المثالية، وهم الذين ينشدون المثالية، ودائمًا المجتمع متهم أمامهم وظالم، ويلحون على هذا إلحاحًا شديدًا، ويدخلون من مواطن الضعف وينثرون البذور، ويقودون حرب تشويه دائمة فى كل شىء، ولا يحدث شىء جميل فى الوجود إلا إذا كانوا وراءه، والآخرون لا يستطيعون فعل شىء جديد أو جميل من وجهة نظرهم.

■ من واقع تجربتك فى الجامعة ووقائع «الحشاشين» المستدعاة من التاريخ.. كيف ترى تجنيد الشباب فى الجماعات؟

- طائفة الحشاشين والجماعات المتطرفة حينما تجند أحدًا تقدم له خدمات فى البداية لتؤسس لفكرة التميز، يبدأ الواحد فيهم يقول «نحن عالم متميز، نحن طاهرون فى مواجهة الدنس الذى يمثل العالم أجمع»، ويطرح فكرة الفرق المؤمنة التى تحدث عنها سيد قطب فى كتاب «معالم فى الطريق».

والسحر يأتى من فكرة سرية الدعوة، حينما ترتبط المسألة بفكرة الأسرار، وأنك الوحيد المطلع على هذا السر، وتستطيع أن تأتى إلينا، فأنت أدخلته من الباب السحرى، والإنسان يميل إلى عالم الأسرار، وعالم يكون مميزًا منذ البداية ويختلف عن الآخرين.

يبدأ الاستقطاب من هنا ويصعد الشخص السلم درجة درجة، ويبدأون فى فترات مبكرة، استغلال الفراغ عند الشاب أو الفتاة، ويحاولون أن يكونوا هم الحاضن البديل فى هذه المرحلة، ثم يحدث التدرج، والبعض ينقلب على هذه الأفكار ويرفض أن يكون مطيعًا، حين يرى التناقض بين الاعتقاد والسلوك.

■ كيف انزعج الإخوان من «الحشاشين»؟

- «الحشاشين» دون شك أوجع «الإخوان» على مستويات متعددة، فنحن نتحدث على مستوى العمل الملحمى، فلا نقول إننا اليوم نستعيد الدراما القديمة، بل نقول إننا نقفز إلى هوليوود، التقنيات فى المشهد الأول تستحق الدراسة خاصة فى التفاصيل الدقيقة، بمجرد أن هناك شخصًا يمشى لكن من ورائه دخان، وهناك قطعة معينة، وسور، والحقيقة نحن نشهد ميلاد مخرج عظيم بكل المقاييس.

كل حلقة كأنها مشروع، أجرى عليها بحث جيد، والكتابة كان فيها تشاور جيد ووجهات نظر، لأن البداية تؤدى إلى نهاية مدهشة، مع عنونة خاصة لكل حلقة، فهو مشروع ضخم إلى حد كبير، والإزعاج على المستوى الفكرى ينبع من كشف المستور، وحتى فى الآليات التى استخدموها، إذ لم يكونوا هم من ابتدعوها، فهم غشاشون حتى فيما ابتدعوا، وهذه هى المسألة.

و«الحشاشين» لا يتحدث عن «الإخوان» بشكل مباشر، فلم يعد خطابك موجهًا لهم، فأنت الآن تنتج فنًا، وهذا الفن يحدث حالة وعى كبيرة، ومنذ إطلاق البرومو فقط جميع محركات البحث تحركت بشكل كبير ومن مختلف الأعمار، والجميع راح يبحث، وحدثت حالة فكرية وثقافية مضادة، تنبش فى التاريخ وتنقب عن الحقيقة.

والعمل خُلق من خلاله وعى جعل المجتمع العربى كله وليس المصرى فقط، يتابع المسلسل، ويحاول أن يجد فيه ثغرة لكنه لم يجد، إضافة إلى أنه استطاع لفت نظر العالم كله إلى مسلسل مصرى مفاجئ.

■ ماذا عن استخدام اللغة العامية فى «الحشاشين»؟

- اللغة وظيفتها أن تكون وسيطًا، وهذه المسألة طُرحت من قبل حتى فى الكتابة الروائية، ولدينا يوسف إدريس وهو من أعظم كتاب مصر، كان يميل إلى استخدام اللغة العامية، وهذا أدب مكتوب، وكان يؤمن بأن العامية هى أقرب إلى الصدق الفنى، وهذا ما عهدناه فى المجموعة القصصية «أرخص ليالى».

وهناك خلاف بين صنّاع الفن، بين أن يكون الحوار مكتوبًا باللغة الفصحى أو اللغة العامية، وهناك وجهات نظر مقدرة، فالعامية تستطيع أن تعكس المستويات الثقافية المختلفة لكل شخصية، لأنك لن تكتب الشخصيات كلها بلغة واحدة.

وعمر الخيام شخصية لرجل يستحيل أن يتحدث مثلما كان يتحدث عمر الخيام الحقيقى، لأن الأخير يستخدم مصطلحات فلسفية، فى كلامه، وهنا داخل اللغة أيضًا مستويات للغة، وحتى حسن الصباح فى خطبه يستخدم اللغة الفصيحة، إضافة إلى استخدامه مصطلحات تخص الطائفة مثل مفتاح الجنة وغيرها.

لدينا مدرسة أخرى يعتنقها نجيب محفوظ، وهى أن الحوار يجب أن يكون فصيحًا واللغة تستطيع أن تعبر من خلال مستوياتها المتعددة، وتستطيع أن توصل المعنى المطلوب، ولدينا تجارب فى ذلك، واستخدام اللغة العامية داخل «الحشاشين» يرجع إلى أن أحداثه تدور خارج مصر، تحديدًا داخل إيران، وهى الدولة السلجوقية فى ذلك الوقت، والتاريخ هنا يستطيع من خلال العامية أن يغمز للمشاهد ويقول له تنبه، صحيح أن الأحداث تدور فى الخارج ولكن لها تجليات بالداخل، وهو توظيف للمستوى العامى فى المسألة.

واستخدام اللغة العامية داخل «الحشاشين» فرصة لاستعادة اللهجة المصرية على المستوى العربى، بعد أن كانت هى لغة الفنون كلها، ومعروفة للعالم العربى، وهذه الفكرة ذكية من صناع العمل، لأن استخدام العامية المصرية تم فى توقيت فارق مثل هذا، تستعيد فيه مصر عرش الدراما العربية، من خلال ذلك المسلسل، علاوة على أن استخدامها بالعمل الدرامى وجهة نظر للكاتب ولا يجوز لأحد أن يصنف ذلك الأمر، إن كان صوابًا أم خطأ، ولنكن منصفين، العمل الذى يُكتب بالفصحى تكون مشاهداته محدودة فى إطار النخبة، ليس لكل الجماهير، علاوة على أن هذا العمل يتعامل مع أفكار معقدة جدًا، والعمل له رسالة، ولا بد أن تصل، واستخدام العامية يساعد على إيصالها بشكل مباشر، ويوسع دائرة المشاهدات، وهذا أمر مهم للغاية.

■ كيف شاهدت شخصية عمر الخيام فى المسلسل؟ وكيف أسهم العمل فى إظهار جوانب أخرى فى شخصية حسن الصباح؟

- كان لا بد أن تظهر الشخصية الحالمة فى المسلسل، والتى تمثلت فى شخصية عمر الخيام الذى يتصور الحياة دون شر ويحلم بأن يُعم السلام فى الأرض.

وأرى أن الجماهير ستقع فى حب شخصية عمر الخيام، وهذا أمر جيد للعمل الدرامى وخاصة للشخصيات المحببة والمميزة والإيجابية فى التاريخ، فالفنان لا يؤذى أحدًا، بل يحمل قيم خير ورسالة، ويؤدى دورًا مهمًا فى إبراز الجمال من حولنا، وبالتالى كان لا بد أن تكتمل الخيارات فى مسلسل الحشاشين بشخصية عمر الخيام.

من الجميل فى «الحشاشين» الاعتماد على ترجمة الشاعر أحمد رامى لرباعيات عمر الخيام، حيث أسهمت الدراما فى إظهار شخصية «الخيام»، بشكل يناسب الثقافة والروح المصرية.

كما أن حضور شخصية عمر الخيام فى الثقافة العربية والمصرية، عن طريق الأشعار، أمر مهم لتوطيد فكرة الثقافة لدى المشاهدين، والجميل فى الأمر أنها كانت من ترجمة الشاعر أحمد رامى، وقد استند إليها صناع مسلسل «سمرقند» السورى من قبل، وهذا دليل على مكانتنا الثقافية فى المنطقة والعالم.

■ فكرة الكذب واللعب بحلم «الجنة».. كيف ترى هذا الوعد الذى انتهجه حسن الصباح؟

- الوعد بالغيب من الأمور المؤثرة فى الجماعات المتطرفة، فالإمامة نفسها قائمة على هذه الفكرة، وسحرية الدعوة تأتى من هذه المسألة، ففى المسلسل نجد أن رؤية حسن الصباح أصبحت لها رهبة وقيمة لدى الأتباع، وبالتالى أصبح السمع والطاعة أمرًا مهمًا لهم.

وجماعة «الحشاشين» كانت تعتنق فكرة أنها مدينة العلم، ففكرة الغيب تعتبر ركيزة أساسية لكل هذه الجماعات المتطرفة على مر التاريخ، لأنه يستطيع أن يبيع به ما يريده القائد، وهو بمثابة بيع الوهم، وإذا وقع الإنسان فى براثن الوهم نجده يبيع نفسه من أجل الجنة، فهو يعتقد أنه إذا مات سيجد نفسه فى الجنة، كما وعِد من قبل.

والأفكار المعقدة التى بدأت بها جماعة الحشاشين تطورت بشكل تدريجى ووصلت لجماعات متطرفة فى عصرنا الحالى، فالغريب فى طائفة الحشاشين أن قياداتها كانت متعلمة تعليمًا جيدًا، وكانت لها كتب ومؤلفات كثيرة، وكانوا يقولون: «لنا كتب لا يطلع عليها غيرنا ولا يفهم رموزها سوانا»، وهذا دليل على أنهم ذوو علم، وهذا أسهم فى فرض سيطرة حسن الصباح على الأتباع.

كما أن فكرة التميز كانت أساس «الحشاشين»، فعند قراءة استراتيجيات الدعوة لديهم، نجدها مؤثرة جدًا، لأنها تنتقل من مسألة التنظير إلى ممارسة التجربة العملية المباشرة، وهذا نجده فى الجماعات المتطرفة فى وقتنا الحالى.

وفكرة التجربة العملية تتمثل فى أن يتحول الدين إلى سلوك إنسانى، من خلال إدخال مفهوم أن الإنسان مقدس، وهذا كان يروج له حسن الصباح لأتباعه فى الجماعة.

أما الفكرة الثانية، فهى تحريك أركان الدين، من خلال جعل الإمامة ركنًا من أركان الدين، وبدونها لن يكتمل الإيمان، كما أن الانخراط فى هذه الفكرة أسهم فى استقطاب الكثيرين من أتباع حسن الصباح، وهذا أمر نجده فى الجماعات الباطنية.

■ هل هناك تقصير فى الكتابات الكاشفة للأفكار المتطرفة فى المجتمع على مر العصور والأزمنة؟ 

- أبوحامد الغزالى، الذى عاصر جماعة الحشاشين، وأصدر كتاب «فضائح الباطنية»، للتصدى لمثل هذه الأفكار، فقد نال فى تلك الفترة شهرة واسعة، وذاع صِيته فى الآفاق؛ حتى صار مقصدًا لطلاب العلم من جميع البلدان؛ وعاش الإمام الغزالى حياته مؤديًا حق دينِه ودعوته، ومُدافعًا عن هوية أمته، وقد تميزت كتاباته بحسن العرض، ودقة العبارة، وبراعة الاستدلال.

وأرى أن مسلسل الحشاشين تعامل مع فكرة توهمنا نحن أنها اختفت، لكنها كانت نائمة ولديها القدرة أن تستيقظ فى أى وقت، وأسهم فى إبراز أفكار هذه الجماعات ومقاربتها لعصرنا الحالى.

وعلينا أن نتحول من فكرة كتابة التاريخ كأحداث إلى كتابة التاريخ كأفكار، فلا بد فى الكتابات أن نتصدى لهذه الأفكار لقتلها تمامًا، كما أننا لدينا مشاكل فى كتابتنا لأننا نتطور ببطء شديد، لأننا بالفعل لا نناقش الأفكار، ففى كل عصر من العصور تهيمن مجموعة من الأفكار على العالم، فإذا استطعنا أن نرصد هذه الأفكار التى هيمنت فى مرحلة من المراحل، وتعاملنا معها نستطيع أن ننتقل للخطوة المقبلة.

نحن ندور حول الأفكار، ولكن لا نتوجه بشكل مباشر للأفكار، وللأعمال الدرامية دور كبير فى كشف هذه الأفكار والتوعية بها وبخطورتها، وهذا ما يفعله مسلسل الحشاشين، فى هذا الوقت، حيث استطعنا أن نستعيد مجدنا فى الدراما التاريخية بعد أن اندثرت لسنوات.

ومصر لديها دور عالمى، من خلال نشر الأفكار الصحيحة، لأننا نريد أعمالًا أخرى مماثلة لـ«الحشاشين»، فالطريق طويل والتحدى كبير، فهناك تيارات وجماعات تواصل تقديم أعمالها ولا تستسلم، فالجماعات المتطرفة على مر التاريخ خرجت من رحم جماعة الحشاشين، وبالتالى فالمتابعون والمشاهدون لن يملوا من مثل هذه الأفكار، التى تسهم فى زيادة الوعى بمثل هذه الجماعات الباطنية التى عاصرنا منها فى وقتنا الحالى.

■ هل هناك تقصير من الكتّاب والنخبة الثقافية فى الكتابة عن تلك الطائفة والجماعات الإرهابية؟

- الكتابة عن الجماعات الإرهابية بشكل معاصر اتخذت مسالك من خلال الروايات للحديث عن ذلك الموضوع، ومنها رواية «سمرقند» لأمين معلوف، وهناك كتابات تتحدث عن الفرق، وتأتى الباطنية كفرقة من هذه الفرق، لكن على الجانب الآخر هناك كتابات شيعية معاصرة عن هذا الموضوع، وتتحرى التاريخ، وتتم فيها تنقية التاريخ من الشوائب، أو الانتصار لحسن الصباح.

وفى المقابل، نحن فعلًا مقصرون فى الكتابة عن تلك الجماعات، ولكن هناك صدى آخر لمسلسل «الحشاشين»، فهناك كتب ظهرت عنها، ما يجعلنا نقول إن هذا المسلسل حرّك داخل الباحثين الرغبة فى الكتابة عن هذا الموضوع.