رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نيكاراجوا.. إسرائيل وألمانيا

المعركة القانونية، التى قررت نيكاراجوا، فى أول مارس الماضى، أن تخوضها ضد ألمانيا، أمام «محكمة العدل الدولية»، بدأت وقائعها أمس الإثنين، بجلسات استماع، طلبت فيها الدولة الصديقة، أو الشقيقة، من المحكمة أن تأمر الحكومة الألمانية بوقف إرسال الأسلحة والمعدات العسكرية إلى إسرائيل، والتراجع عن قرارها بوقف تمويل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، «الأونروا». وفى ٤٣ صفحة، أكدت أكبر دول أمريكا الوسطى أن ألمانيا انتهكت اتفاقية حظر الإبادة الجماعية.

عاشت نيكاراجوا تحت الاحتلال الأمريكى منذ سنة ١٩١٢ إلى ١٩٣٣، وفى بداية ثمانينيات القرن الماضى تدخلت فيها الولايات المتحدة عسكريًا ومخابراتيًا، وساندت عصابات صنعتها، ووصفتها بـ«المعارضة المسلحة». وأمام المحكمة نفسها، «محكمة العدل الدولية»، خاضت الدولة الصديقة، أو الشقيقة، معركة شرسة ضد الولايات المتحدة، انتهت بإدانة الأخيرة، فى يونيو ١٩٨٦، عن استخدامها القوة العسكرية بشكل غير شرعى، وقيامها بتدريب وتسليح وإمداد وتمويل وتشجيع ودعم عمليات عسكرية راح ضحيتها أكثر من ٧٥ ألفًا. كما أدينت الولايات المتحدة، أيضًا، عن تفجير الموانئ وتلغيم المياه الداخلية والإقليمية، وانتهاكها القانون الدولى، و... و... وقضت المحكمة بتغريمها ١٢ مليار دولار، غير أن إدارة الرئيس الأمريكى الأسبق رونالد ريجان رفضت تنفيذ الحكم وسحبت اعترافها بالمحكمة.

لهذا السبب، غالبًا، لم تختصم نيكاراجوا الولايات المتحدة، الداعم الأكبر لإسرائيل، وقرّرت أن تخوض معركتها ضد ألمانيا، التى جعلها العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، تتخلى، كليًا، عن قيم الإنسانية والحرية، وحقوق الإنسان، ودفع مئات الكتاب والمثقفين، وعددًا من الحاصلين على جائزة «نوبل»، إلى التوقيع على عريضة عنوانها «قاطعوا ألمانيا»، ردًا على دعمها غير المشروط لإسرائيل، وقمعها الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين، وضغطها على أى وسيلة إعلام تظهر بعض التوازن. وكنا قد تناولنا، فى مقال سابق، «موقف ألمانيا الحرج»، وتحت هذا العنوان، أشرنا إلى إعلان عدد من المحامين الألمان، فى ٢٣ فبراير الماضى عن إقامتهم دعوى قضائية، بالنيابة عن ضحايا فلسطينيين، يتهمون فيها المستشار الألمانى ووزراء الخارجية والاقتصاد والمالية والدفاع والعدل، بالمساعدة والتحريض على الإبادة الجماعية للشعب الفلسطينى، من خلال تزويد إسرائيل بالأسلحة وإصدار تراخيص التصدير ذات الصلة.

سبق أن تقدمت نيكاراجوا، بطلب إلى «محكمة العدل الدولية»، للانضمام إلى جنوب إفريقيا فى الدعوى التى تتهم فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية، والتى تنظرها المحكمة، منذ يناير الماضى، وأمرت دولة الاحتلال، فى الشق العاجل منها، باتخاذ كل التدابير لمنع أى أعمال يمكن اعتبارها إبادة جماعية فى قطاع غزة، وضمان عدم ارتكاب قواتها أيًا من تلك الأعمال، ومنع ومعاقبة أى تصريحات أو تعليقات عامة تحرّض على ارتكابها، واتخاذ كل الإجراءات اللازمة لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، و... و... وخلال جلسة استماع أمس، أشار دانيال مولر، ممثل نيكاراجوا أمام المحكمة، إلى أن شيئًا لم يحدث لوقف الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، منذ أن قامت جنوب إفريقيا برفع دعواها.

لم تحدث ولم يحدث أى شىء، لأن المحكمة ليس لديها أى وسيلة أو آلية لتنفيذ قراراتها، أوامرها أو أحكامها، التى تشبه، بالضبط، قرارات مجلس الأمن، تحت الفصل السادس، الخاص بـ«تسوية النزاعات بالطرق السلمية»، والتى تفتقر، هى الأخرى، إلى آليات التنفيذ. وعليه، نرى أنك تظلم «محكمة العدل الدولية»، لو انتظرت منها دورًا أكبر، من دور «مجلس الأمن»، المنوط به الحفاظ على استقرار العالم، والذى يعانى من شلل وظيفى، وثبت، مرارًا، أنها مجرد مؤسسة رمزية.

.. وتبقى الإشارة إلى أن مصر قامت بتعرية الاحتلال الإسرائيلى فى مذكرتين مكتوبتين، تقدمت بهما إلى «محكمة العدل الدولية»، فى يوليو وأكتوبر الماضيين، ثم جاءت مرافعتها الشفهية، التاريخية، فى ٢١ فبراير الماضى، أمام المحكمة نفسها، التى أكدت، بشكل مستفيض، ممارسات الاحتلال الإسرائيلى، الممنهجة، ضد حقوق الشعب الفلسطينى المشروعة وغير القابلة للتصرف، خالف قواعد لاهاى الخاصة بقانون وأعراف الحرب والمبادئ التى تحكم مشروعية استخدام القوة.