رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عفريت صحيح.. لكن محترم!

أصبح «فيسبوك» وغيره من وسائل التواصل الاجتماعى ساحة مفتوحة للآراء، دون أى قيود أو شروط فكرية أو لغوية، لكن الأهم من ذلك فى تقديرى أنه أمسى فى الوقت ذاته شاشة كاشفة للوعى الاجتماعى، درجة تدهور أو تطور ذلك الوعى، أقول ذلك وقد صادفنى اليوم فى «فيسبوك» الإعلان التالى: «السلام عليكم ورحمة الله. أى حد عنده استفسار أو مشكلة تخص السحر أو المس أو العين، أو التوافق بين الأزواج، والرقية الشرعية، وضيق الرزق ووقف الحال، يكلمنى وأنا تحت أمر الجميع».

ومن الإعلان يبدو أننا أمام إنسان كلى القدرة، لا يقف شىء فى طريقه، قادر على تحقيق المعجزات من كل الأنواع. الأهم أن الكثيرين علقوا على الإعلان يطلبون التواصل مع ذلك الإنسان الخارق لحل مشكلاتهم. إذن فنحن ما زلنا أمام الاعتقاد فى الخرافات والإيمان بقدرات الدجالين بعد أكثر من مائتى عام على إنشاء المجمع العلمى فى القاهرة، وكان ذلك بمرسوم من نابليون بونابرت فى أغسطس ١٧٩٨ بهدف العمل على نشر المعرفة والعلم. وبعد انقضاء أكثر من قرنين من الزمان نكتشف أن قسمًا كبيرًا من الوعى العام ما زال فى قبضة الجهل والشعوذة، ومن نماذج ذلك الوعى أن حريقًا شب فى ثمانية منازل فى أسيوط فى أبريل عام ٢٠١٧، وأقسم معظم الأهالى أن هناك «جنًا» شريرًا يسكن أحد البيوت هو الذى تسبب فى إحراق البيوت، وروى أحد المصابين أنه حاول الاستعانة بالمشايخ لإخراج الجن لكنهم طلبوا أموالًا طائلة! ويصف أولئك الدجالون أنفسهم بصفات باهرة مثل «قاهر الجن»، و«صاحب الكرامات»، أما الشيخة زينب فإنها: «مشهود لها بالمصداقية». وبلغت الجرأة بأحدهم درجة الإعلان عن أنه: «وضع حدًا نهائيًا لمرض السرطان»! وتمادى البعض فوضع إعلانًا عن: «تخليص الإنسان من الإلحاد بـ٢٥ جنيهًا»! أى أنهم بلغوا درجة بيع صكوك الإيمان بأسعار شعبية متهاودة! وفى معظم الأحيان يكون جلب الحبيب أو فتح باب الرزق بمجرد اتصال هاتفى مقابل كروت شحن الموبايل! ومع ذلك ورغم استثمار حواديت الجن، والعفاريت، وتحويل الخوف من المجهول إلى سلعة رابحة، فإن هناك، والحق يُقال، نوعًا من الجن، محترمًا، ويراعى الأصول، مثال ذلك ما نشر عن فتاة ادّعت أن الجن عاشرها، فطمأنتها المعالجة الروحانية منى النمر بأن «الجن قد يعاشر الفتاة لكنه لا يؤثر على غشاء بكارتها». إنه إذن جن صحيح، لكنه محترم، يفيد ويستفيد دون أن يؤذى أحدًا، ونحن لن نفض سيرة هذه الخزعبلات ولا سيرة الدجالين إلا بنشر العلم. وقد طالبت من قبل، وما زلت أطالب، بإطلاق قناة تليفزيونية علمية، وتأسيس المجلات العلمية المبسطة، ونشرها فى الريف، وزيادة مخصصات البحث العلمى فى ميزانية الدولة، هذا وإلا يظل الحديث عن التنوير محض أمنيات عاجزة عن مواجهة الشعوذة وتدهور الوعى العلمى الذى تكشفه صفحات وسائل التواصل.