رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الباحث شريف رمزي لـ الدستور: "سير البيعة المقدسة" هو التاريخ شبه الرسمي للكنيسة القبطية (حوار)

الباحث شريف رمزي
الباحث شريف رمزي

◄ سجلّ كنسيّ يؤرِّخ لبطاركة الإسكندريَّة، ويُسَلِّط الضَّوء على تاريخ مصر السِّياسيّ والاجتماعيّ في العصور الوسطى

◄البابا تواضروس يصِف العمل بـ"التُّحفة الموسوعيَّة".. وأكاديميُّون: لا غنى عنه لأيّ دارس أو باحث

 

شريف رمزي كاتب وباحث ومؤلِّف مصري من مواليد القاهرة في أكتوبر عام 1979، تخرَّج في كُلِّيَّة الحُقوق وعمل بالمُحاماة، ومُنذ نعومة أظفاره استهوته قراءة التَّاريخ والبحث في مصادره، حصل على الدّبلومة وتمهيدي الماچستير من قسم التَّاريخ في معهد الدِّراسات القبطيَّة، كما شارك في العديد من المؤتمرات الدَّوليَّة وساهم بأطروحاته في مؤسَّسات علميَّة عريقة أبرزها المعهد الفرنسي للآثار الشَّرقيَّة ومكتبة الإسكندريَّة، وله أبحاث منشورة في العديد من الدَّوريَّات العلميَّة المُتخصِّصة. 

صدر أوَّل مؤلَّفاته وقت أنْ كان طالبًا في المرحلة الثَّانويَّة، وبلغت إصداراته عشرة كُتُب حتَّى الآن. اهتمَّت الصُّحُف والمواقع بتغطية نشاطاته المتنوِّعة وعرض كتاباته على صفحاتها، كما أفردت له المساحة لكتابة المقالات، وحظيت كتاباته باهتمام الدّارسين والمُهتمِّين بالدَّراسات القبطيَّة في مصر والخارج، ووجدت لها صدى كبيرًا في رسائل علميَّة قام عليها باحثون أجانب.

بموجب القرار البابوي رقم ٧ لسنة ٢٠٢١م أصبح عُضوًا في اللَّجنة الباباويَّة للتَّاريخ القبطي، والَّتي تضُم في عُضويّتها نُخبة من المُتخصِّصين في مجال دراسة وتحقيق التَّاريخ بمصر والخارج.
 

“الدُّستور” حاورت شريف رمزي، وتحدَّثت معه عن أحدث إصداراته كتاب “سِيَر البِيعَة المُقَدَّسَة” (سِيَر الآباء البطاركة)، وعن منهجه في تحقيق النُّصوص، والتَّحدِّيات الَّتي واجهها في سبيل خروج أعماله إلى النُّور، وعن مشروعاته المُقبلة.

وجاء نص الحوار كالاتي:

- متى بدأت مشوارك في الكتابة؟

• مُبكرًّا جدًّا، بمجرَّد أن تعلَّمت حروف الهجاء بدأت فورًا بالتَّعبير عن نفسي، فكنت أكتب قِصصًا تُناسب سِنِّي وقتها، وبنهاية المرحلة الابتدائيَّة كنت قد تمرَّست على تأليف الاسكتشات المدرسيَّة والصَّيحات الكشفيَّة، كان عندي نهم شديد للقراءة والمعرفة، وكنت كُلَّما قرأت أكثر تنمو بداخلي مشاعر وتراودني أفكار فأدوِّنها بأسلوبٍ أدبيّ، في صورة قِصَّة قصيرة أو زجَل أو شِعر. كنت أحظى بتشجيع من حولي، في البيت وفي المدرسة وفي الكنيسة، وكنت أسمعهم دائمًا يُردِّدون: “الولد ده موهوب وسابق سِنّه”.

- تعتبر أنَّ التَّشجيع الَّذي حظيت به كان دافعًا لك للتَّمسُّك بموهبتك في الكتابة؟

• التَّشجيع مُهمّ جدًّا لأيّ شخص ويدفع دائمًا للأمام، لكن في حالتي كانت الضُّغوط والصُّعوبات والمعوِّقات أيضًا دافعًا لي للاستمرار، وكان النَّقد والكلام المُحبِط له تأثير أقوى حتَّى من المدح والتَّشجيع. في لحظة مُعيَّنة يحتاج الإنسان لأسباب تُنعش فيه روح الإصرار والتَّحدِّي، ليهتف بعزم ما فيه: «أكون أو لا أكون».
 - تعجبني ثقتك بنفسك.

• ثقتي بنفسي أستمدُّها بالكامل من ثقتي بوجود الله معي وعمله من خلالي، أنا أعتبر نفسي أداة في يده تعالى ولا أملك في نفسي شيء، لذلك أجتهدُ أن أستثمر طاقتي والمواهب الَّتي وضعها الله -تبارك اسمه- فيَّ بما يخدم الآخرين ويعود بالنَّفع والفائدة عليهم.

- تعدَّدت إصداراتك في مجال تحقيق النُّصوص، لكن كتابك عن «"أعجوبة نقل الجبل المقطّم" كان بمثابة شهادة ميلاد جديدة لمؤرِّخ ومُحقِّق يُجيد اختيار موضوعاته ومُتمكِّن من أدواته؟

• كُلِّ ما في الأمر أنَّني قرأت الرُّواية التَّاريخيَّة بتجرُّد تام ووضعت كُلَّ قناعاتي السَّابقة جانبًا. جمعت المصادر التَّاريخيَّة ورتَّبتها ووضعتها أمام القارئ مع صور مخطوطات ووثائق نادرة لم يسبق نشرها، وتركت له الحرِّيَّة لاستنباط الحقيقة التَّاريخيَّة وتكوين قناعته الخاصَّة بمعزل عن الفلكلور والمُبالغات. 

- أيضًا “سِيَر البِيعَة المُقَدَّسَة”، وهو أحدث إصداراتك، لاقى اهتمام كبير بين جمهور معرض القاهرة الدَّولي للكتاب ٢٠٢٤؟

• هذا الاهتمام بالتَّأكيد يعكس وعي القارئ واهتمامه بجودة العمل ومضمونه. وأهمّيَّة «سِيَر البِيعَة» تنبُع بالأساس من كونه أحد أهمّ المصادر التَّاريخيَّة الَّتي ترجع إلى حقبة العُصور الوسطى، فهو وإن كان يؤرِّخ لسِيَر بطاركة الكنيسة القبطيَّة، لكنَّه يُقَدِّم أيضًا صورة غاية في الأهمِّيَّة عن تاريخ مصر السِّياسي والاجتماعي بعيون المؤرِّخين الأقباط. 

يحتَلُّ “سِيَر البِيعَة المُقَدَّسَة” مركز الصَّدارة بين الكتابات الَّتي تؤرِّخ لكنيسة الإسكندريَّة وبطاركتها، وتُسَلِّط الضَّوء على جوانب مُختلفة في علاقتها بالكنائس الشَّقيقة في أنطاكية والحبشة والنُّوبة، وبأتباع المذاهب المسيحيَّة الأخرى، وبالشِّيَع المُنشَقَّة عنها، فضلًا عن علاقتها بالسُّلطة الحاكمة في العصور المُختلفة. 

يُعَدُّ “سِيَر البِيعَة” أحد أهمّ المصادر الَّتي استفاد منها مؤرِّخو العصر الوسيط في كتاباتهم، وفي مُقَدِّمتهِم أبو المكارم سعد الله بن جرجس بن مسعود في كتابه “أخبار من نواحي مصر وإقطاعها”، وأبو شاكر بطرس بن الرَّاهب في كتابه “التَّواريخ”، والمكين جرجس بن العميد في كتابه "المجموع المُبارك"، وعن الأخير نقل المقريزي وغيره من المؤرِّخين المُسلمين الكثير من التَّفاصيل الدَّقيقة الَّتي تعود في الأصل إلى "سِيَر البِيعَة".
 

- ما الَّذي يُميِّز هذه النَّشرة عن النَّشرات السَّابقة الَّتي تناوَلت نفس العمل؟

• خلافًا لكُلِّ النَّشرات السَّابقة الَّتي تناوَلت هذا العمل الهامّ، تُعدُّ هذه النَّشرة هي الأولى الَّتي تُقَدِّم النَّصَّ مع تحقيق وافٍ وإيضاحات مُستَفيضةٍ وفهارس مُتنوِّعة، وهي المرَّة الأولى أيضًا الَّتي يصدُر فيها العمل منسوبًا إلى مؤلِّفه الحقيقيّ، الشَّمَّاس موهوب بن منصور بن مُفَرِّج الإسكندرانيّ (١٠٢٠ - ١١٠٠م)، والَّذي حملَ على عاتقه مهمَّة جمع السِّيَر وترجمتها من اللُّغة القبطيَّة إلى اللُّغة العربيَّة، بمُساعدة رفيقه الشَّمَّاس ميخائيل بن بٰدير الدَّمنهوريّ وآخرين، وذلك خلافًا للاعتقاد الَّذي كان سائدًا في الماضي بنسبة العمل إلى الأنبا ساويرُس بن المُقَفَّع أُسقُف الأشمونين، وتُغطِّي هذه النَّشرة حِقبةً تاريخيَّة عاشَها سبعة وسِتُّون بطريركًا، وتمتَدُّ من أواخر القرن الأوَّل إلى أواخر القرن الحادي عشر، اعتمادًا على أقدم المخطوطات الَّتي وصلَتنا، والغاية من ذلك هي الوصول إلى أقرب صورة يُمكن أن تُعَبِّر عن النَّصِّ في حالته الأصليَّة. 
 

- لهاذا وصفه البابا تواضروس الثَّاني بالتُّحفة الموسوعيَّة؟

• البابا تواضروس الثَّاني أب حقيقي وقائد ماهر يمسك بدفَّة الكنيسة ويُديرها بكُلّ إخلاصٍ وتفانِ، وقد أظهر نحوي من الأبوَّة والمحبَّة ما تعجز عن وصفه الكلمات، البابا استقبلني في مقرِّه وأعطاني الفُرصة لعرض مشروعي على قداسته في جلسة امتدَّت لنحو السَّاعة والنِّصف، وتفضَّل بمُراجعة الكتاب في وقت قياسي رغم مشغولياته الكثيرة، وقدَّم له بكلماتٍ مُفعَمة بالدَّعم والتَّشجيع، أنا مُمتنّ لقداسته جدَّا وأشكره من صميم قلبي.

- تصدّر العمل أيضًا اسم أسقف المنيا وثلاثة من الأساتذة في جامعات دوليَّة، وكلّهم أشادوا بالعمل وبالجهد العلمي المبذول فيه؟

• في الحقيقة لم يكن لهذا العمل أن يخرج بهذا المستوى لولا الدَّعم الصَّادق الَّذي أولاني إيَّاه كُلٌّ من نيافة الأنبا مكاريوس أسقف المنيا، والأستاذ الدُّكتور أشرف إسكندر صادق أستاذ الآثار المصريَّة والقبطيَّات وآثار الكتاب المقدَّس في جامعة ليموج بفرنسا، والأستاذ الدُّكتور چوزيف موريس فلتس أستاذ علم آباء الكنيسة في الكُلِّيَّات الإكليريكيَّة بمصر والخارج، والأستاذ الدُّكتور صموئيل قزمان معوَّض الباحث بقسم القبطيَّات في جامعة مونستر بألمانيا. فجهودهم المُخلصة هي الَّتي حفظت لهذا العمل طابعه العلميّ.

- في الأوساط العلميَّة أيضًا قوبل العمل بحفاوة واهتمام كبير؟

• نعم، كان العمل على تحقيق “سِيَر البِيعَة المُقَدَّسَة” بمثابة حلم كبير ظلّ يُراود الباحثين والدَّارسين في مؤسَّسات عريقة داخل مصر وخارجها على مدى سنوات طويلة، ورُصِدَت له ميزانيَّات ضخمة، وفي بعض الأحيان لم يكن الأمر يتجاوز حيِّز الدَّعايا لأسباب مادِّيَّة بحتة أو لزوم الشُّو. ولهذا كان المُخلصين في هذا المجال مُتلهِّفين لصدوره، لا سيَّما على يد باحث مصري. مظاهر الحفاوة والاهتمام ظهرت جليَّة من خلال السِّيمنار الَّذي انعقد بالمعهد الفرنسي للآثار الشَّرقيَّة بالقاهرة، وأداره الدُّكتور مجدي جرجس الأستاذ بجامعة كفر الشِّيخ والمُستشار العلمي للمعهد في حضور نُخبة من المُثقفين. 

- حدِّثنا عن التَّحدِّيات الَّتي واجهتها حتَّى تعبُر بهذا العمل الضَّخم إلى النُّور.

• تحدّيات كثيرة ومُتنوّعة ومُعتادة، كُلُّ باحثٍ مخلص في عمله يواجهُها، بعضُها يتعلَّق بالحصول على المصادر، وفي مجالنا يزداد الأمر صعوبة بسبب القيود الَّتي يفرضها البعض على نوعيَّة مُعيَّنة منها، كالوثائق والمخطوطات، وبعضها يتعلَّق بالنَّشر والتَّوزيع، وبعضها يتعلَّق بأصحاب النُّفوس الضَّعيفة الِّذين يُحاولون إعاقة أيّ عمل ناجح لأسباب نفسيَّة أو مادِّيَّة (السَّبُّوبة). 

- هل تتوقَّع أن يُحدِث هذا العمل نقلة نوعيَّة في طريقة تعامُل الكنيسة مع كُتُبِها التُّراثيَّة؟

• في الكنيسة عُقول واعية تُفَرِّق بين الثَّابت والمُتَغيِّر، لكن الطَّريق ما يزال طويلًا، والنَّقلة النَّوعيَّة الَّتي تتحدَّث عنها تحتاج لجَهد شاقّ ومُثابرة وإرادة حقيقيَّة، خاصَّةً مع وجود عُقول أُخرى تخلط بين الثَّابت والمُتغيِّر. المُهمّ أنَّنا بدأنا، والبقيَّةُ ستأتي، ولو على مهل.

- هل جهود تحقيق وتدقيق النُّصوص التَّاريخيَّة يُمكن أن تشمل كتاب السِّنكسار؟

• نأمل ذلك، لكن الأمر مرهون بقرار كنسي، لأنَّ السِّنكسار كتاب طقسي يحتلّ مكانة خاصّة في الكنيسة وتُقرأ منه فصول يوميَّة في كُلِّ قُدَّاس على سبيل الوعظ، وأيّ جهد فردي أو جماعي بمعزل عن الكنيسة ومؤسَّساتها سيجد مُقاومة من داخل الكنيسة. 

نُسخة السِّنكسار المُستخدمة حاليًا في كنائسنا صدرت بعد نياحة قداسة البابا شنودة الثَّالث في فترة خلو الكرسي البطريركي، ولم يكن الوقت مُناسبًا لذلك، وهذه النُّسخة مع تقديرنا للجَهد المبذول فيها، أضافت إلى الأخطاء القديمة أخطاء جديدة، أخطاء تاريخيَّة وأخطاء جُغرافيَّة وأخطاء مُرتبطة بالتَّقويم وخلط بين أشخاص لم يجمعهم زمان أو مكان، إلى آخره من الأخطاء الَّتي يصعُب حصرها.

من واقع دراستي للسِّنكسار ومخطوطاته وطبعاته المُختلفة، أرى كما يرى كثيرون غيري أنَّ الحاجة ما تزال مُلحّة لإعادة كتابة هذا الكتاب الطَّقسي الهامّ بطريقةٍ عصريَّة، لا مُجرَّد تنقيحه أو تصحيحه، لأنَّنا بتشَبُّثنا بمبدأ التَّنقيح وتكراره من آنٍ لآخر، نكون كمَن رقص على السُّلَّم، فلا نحن أبقينا على السِّنكسار في صورته الأصليَّة، ولا نحن أخضعناه للتَّدقيق والتَّحقيق العلمي المطلوب، ولا نجحنا إلى اليوم في تنقيحه وتصحيحه كما يجب.

- أنت إذن تُطالب الكنيسة بكتابة سنكسار جديد؟

• كتابة السِّنكسار وفقًا لمُعطيات العصر وترجمته إلى لُغاتٍ يفهمها أولادنا الَّذين نشأوا بالمهجر أمر تفرضه الضَّرورة. 

- كيف تُقيِّم حال الدِّراسات القبطيَّة في مصر؟

• الدِّراسات القبطيَّة تنمو بشكل ملحوظ والاهتمام بها يتزايد يومًا بعد يوم، مؤسَّسات الدَّولة مع الكنيسة تعملان بجِدّ ونشاط، وهذا التَّعاون يظهر في صورة مؤتمرات ومشروعات مُشتركة. الجامعات المصريَّة أصبحت أكثر انفتاحًا تجاه علوم القبطيَّات، ولدينا جيل من الشَّباب الواعد يحاول أن يضع بصمته في هذا الإطار. 

الدِّراسات القبطيَّة بفروعها المُختلفة حقلٌ خصب يجذب الباحثين والدَّارسين من شتَّى بقاع الأرض، والاهتمام بهذا الحقل يُعزِّز مكانة مصر في الأوساط العلميَّة على مستوى العالم ويخدم مصالحها العُليا.
 

- كتب التَّاريخ دائمّا تزخر بالحكايات والنَّوادر.. أعطنا مثالا من "سِيَر البِيعَة"

هل سمعت عن القبطي الَّذي دُعيَ له في مكَّة؟

أعرف أصدقاء مُسلمين كثيرين يرفعون أيديهم بالدُّعاء لجيرانهم ومعارفهم المسيحيِّين وهم يؤدُّون شعائر الحَجّ أو العُمرة..

الموضوع على ما يبدو له جذور قديمة، يروي لنا "سِيَر البِيعَة" عن الشَّيخ أبو اليُمن قزمان بن مينا، وكان عاملًا للخراج في زمن الإخشيديِّين ثُمّ الفاطميِّين، أنَّ كتابًا وصَل من الخليفة ببغداد إلى والي مصر كافور الإخشيدي، يطلب منه عمل تقدير بعوائد مصر من الجزية والخَراج وخِلافه، مُقابِل النَّفقات، فكانت النَّفقات أزيَد من العوائد بمئتي ألف دينار. فسأل كافور وزيره عليّ بن محمَّد بن كلا عمَّا يجب أن يفعله حيال هذا العجز، فأشار عليه بتخفيض الرَّواتب بمقدار مئة ألف دينار وبزيادة الضَّرائب بمقدار مئة ألف دينار، فأرسل كافور في طلب الشَّيخ أبو اليُمن قزمان بن مينا وعرَض عليه الأمر وشدَّد عليه في طلب المشورة، فقالَ لَهُ أبو اليُمن: ”إنَّ الَّذي أشارَ عليك بأن تختصر أرزاق أرباب الرَّواتب الَّذين هُم في عَول الله سُبحانه قد أغرى بك وأراد قُبح السُّمعة عنك، لأنَّ الله أجرى أرزاقَهُم على يديك، فمتي فعلت بهم هذا قطع بك، وأمَّا ما أشار به عليك من الزِّيادة في المُكُوس عن الضَّرائب المُستَقَرَّة فالَّذي أسَّسَ أصل هذا وفرعَهُ قد عرَف مقعدَهُ من جُهنَّم، لأنَّ إحداث الرُّسوم يُبعِد من الله“. فأعُجِبَ كافور بإخلاصه وامتثلَ لنصيحته، وأمر فورًا بالقبض على الوزير وإلزامه بدفع قيمة العجز من ماله الخاصّ، وبفضل أبو اليُمن زادت العوائد في تلك السَّنة أضعافًا، ودعي النَّاس على الوزير ابن كلا في مكَّة ودُعيَ فيها للشَّيخ أبو اليُمن قُزمان بن مينا، الَّذي بفضله عمّ الخير والرَّخاء.