رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مدينة المال والأعمال.. «الدستور» تنشر تفاصيل تحول مركز الحكم إلى العاصمة الإدارية الجديدة: تابعة للقاهرة بقرار حكومى

العاصمة الإدارية
العاصمة الإدارية الجديدة

فى الوقت الذى يجب فيه على كل المصريين الاحتفال بحدث تاريخى، على خلفية أداء الرئيس عبدالفتاح السيسى، اليمين الدستورية رئيسًا للبلاد لولاية ثالثة، من مقر البرلمان المصرى الجديد، إيذانًا بإعلان الدولة المصرية الانتقال الكامل لممارسة مهام الحكم من العاصمة الإدارية الجديدة، بعد ممارسة الحكومة أداء مهامها من المقار الجديدة، وإجراء عملية الانتقال الكامل على مراحل، استغرقت أكثر من عام كامل- هناك من يحاول دائمًا التشويش على أى وكل إنجاز تحرزه الدولة، وبأى شىء مغاير للحقيقة.

وشهد عدد من منصات التواصل الاجتماعى، الثلاثاء، حالة من الجدل حول قرار الانتقال الكامل للقيادة السياسية لممارسة مهام عملها من المقار الجديدة بالعاصمة الإدارية، بوصفه مخالفة للدستور، الذى ينص على أن تكون مقار الحكم من القاهرة العاصمة.

ولأن المصريين أهل «نكتة»، تداول البعض منشورات، أمس، من مواطنى الأقاليم يسخرون- من قبيل «القلش»- على القاهريين، بعبارات تقول: «من النهارده محدش من القاهرة يترسم علينا.. بقيتوا فلاحين زينا»، وهو ما يعنى تحول الشائعات حول الأمر إلى لغط كبير، قد يترتب عليه تزييف الحقيقة، لذا تفند «الدستور»، فى السطور التالية، عددًا من الأكاذيب التى تحاول كسر فرحة المصريين بهذا الإنجاز الكبير، الذى حققته أياديهم فى سنوات قليلة.

تعديل الحد الشرقى لمحافظة القاهرة بضم أراضى العاصمة الجديدة

حتى لا يختلط الحابل بالنابل، تعود حقيقة الأمر إلى موافقة مجلس الوزراء فى اجتماعه، برئاسة الدكتور مصطفى مدبولى، يوم الأربعاء الموافق ٨ يونيو ٢٠٢٢، على مشروع قرار رئيس الجمهورية بشأن تعديل الحد الشرقى القاهرة، بحيث تضم مساحات أراضى العاصمة الإدارية الجديدة وامتدادها، وهو ما يعنى تبعيتها لمحافظة القاهرة، لتكون داخل نطاق العاصمة المصرية المحددة فى الدستور، وبهذا تكون القيادة السياسية وحكومتها قد اتخذت الحيطة والحذر من الوقوع فى أى مخالفة دستورية، بضم المساحة لمحافظة القاهرة، استعدادًا لإجراء عملية الانتقال.

وجاء قرار مجلس الوزراء بضم أراضى العاصمة الإدارية الجديدة لمحافظة القاهرة تماشيًا مع الدستور المصرى، الذى يُلزم بوجود البرلمان داخل نطاق القاهرة، ما يستلزم تبعية العاصمة الإدارية الجديدة لها، حال نقل عمل المجلس بها، وفقًا لما جاء فى نص المادة ١١٤، التى تقول: «مقر مجلس النواب مدينة القاهرة، ويجوز له فى الظروف الاستثنائية عقد جلساته فى مكان آخر، بناءً على طلب رئيس الجمهورية، أو ثلث أعضاء المجلس، واجتماع المجلس على خلاف ذلك، وما يصدر عنه من قرارات، باطل».

من جهته، أوضح العميد خالد الحسينى، المتحدث الرسمى باسم العاصمة الإدارية، أن موقع العاصمة الجديدة بحدودها كان غير تابع إداريًا لمحافظة القاهرة، وكانت تعرف بأنها مجتمع عمرانى يُبنى على حدود القاهرة، حتى صدور القرار، الذى يعتبر خطوة رسمية لضم العاصمة الإدارية إلى محافظة القاهرة، لتصبح تابعة إداريًا لها. 

وفى فبراير قبل الماضى، قرر المركز الوطنى لاستخدامات أراضى الدولة ضم ٤٦ ألف فدان من أراضى العاصمة الإدارية الجديدة إلى الحدود الإدارية لمحافظة القاهرة، لتتوافق مع الدستور، حسب بيان المركز الذى ذكر أن المساحة الجديدة التى تم ضمها للعاصمة القديمة، تشمل ٤٠ ألف فدان من المرحلة الأولى من العاصمة الإدارية الجديدة، إضافة إلى ٦ آلاف فدان مخصصة لربط المحاور الإقليمية والطرق الدائرية بالعاصمة الإدارية.

وحتى تكتمل الرؤية بحقيقة الأمر، الذى يجب علينا جميعًا أن نعلمه جيدًا، تعود حقيقة الجدل إلى أن مقار الحكم فى مصر داخل القاهرة التاريخية، وليس القاهرة بشكل عام، منذ الفتح الإسلامى لمصر الذى جاء عام ٦٤٠ ميلادية تقريبًا، وبدأ بدار عمرو بن العاص فى منطقة الفسطاط، أو ما عُرفت بـ«دار الحكم» وقتها، ثم انتقل إلى أكثر من مكان هناك فى نفس المنطقة، حتى انتقل ناحية قلعة الجبل «قلعة محمد على»، ثم انتقاله ناحية عابدين، فى محاولة من الخديو إسماعيل وقتها للتوسع، واستقر مقر الحكم فى قصر عابدين، حتى انتقل إلى قصر القبة، انتهاء بقصر الاتحادية فى منطقة مصر الجديدة.

ويعد الانتقال، الذى أشرقت شمسه لحظة حلف الرئيس السيسى اليمين الدستورية لولايته الجديدة، هو خروج من القاهرة التاريخية بهدف استعادة عبقها التاريخى، وليس خروجًا من القاهرة.

المدينتان الإدارية والتاريخية ستمثلان العاصمة معًا.. الأولى للأعمال والثانية للفعاليات السياسية والثقافية 

هناك مقولة شهيرة للجغرافى المصرى الكبير الدكتور جمال حمدان، فى كتابه «القاهرة»، الصادر نهاية سبعينيات القرن الماضى، تقول إن العواصم الصناعية تقتلها العواصم الطبيعية، على اعتبار أن هناك عواصم طبيعية تكونت بمرور الزمن والأحداث مثل القاهرة، وعواصم صناعية مثل فرساى فى فرنسا، تم إنشاؤها كليًا مرة واحدة بشكل حديث، وهو الأمر الذى وضعه المخططون فى مصر فى عين الاعتبار عندما قرروا الخروج بمجتمع المال والأعمال من داخل القاهرة التاريخية إلى موقع آخر يستوعب الحداثة والتكنولوجيا من ناحية، مع إمكانية تطوير واستعادة العبق التاريخى للقاهرة الحضارية من ناحية أخرى.

وفى أحد مؤتمرات «مصر تستطيع»، كشف الدكتور عاصم الجزار، وزير الإسكان، أن العاصمة الجديدة ستمثل عاصمة مصر الإدارية بكل ما تتطلبه من مفاهيم خاصة بمجتمع المال والأعمال، وسيتم معها تطوير القاهرة التاريخية لتصبح متحفًا ثقافيًا وتاريخيًا مفتوحًا، وأن الاثنتين مجتمعتين معًا «العاصمة الإدارية والعاصمة التاريخية» ستمثلان العاصمة الجديدة لجمهورية مصر العربية، بحيث تضم وتشهد العاصمة الإدارية الأعمال، وتشهد العاصمة التاريخية اللقاءات والفعاليات السياسية والثقافية التى تتطلب أن تكون بها، ما يعنى إضافة جديدة لمفهوم العاصمة المصرية فى جمهوريتها الجديدة.

عملية تطوير القاهرة التاريخية متواصلة لتحويلها لمتحف مفتوح

بالفعل، بدأت عمليات تطوير القاهرة التاريخية وفق خطة قومية مدققة تم إعدادها جيدًا، تهدف فى الأساس إلى تحويل مناطق القاهرة التاريخية بتنوعها المختلف إلى متحف ثقافى وتاريخى مفتوح، بالتزامن مع بدء إنشاء مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، الذى بدأ رسميًا نهاية أبريل ٢٠١٦.

وفيما يخص عمليات تطوير القاهرة التاريخية، وبعد ١٠ سنوات من العمل المستمر، يظهر على أرض الواقع مشروع تطوير منطقة المدابغ، التى لا يخفى على أغلبنا صورتها القديمة، وكيف كان شكلها المتردى، والذى لا يتناسب مع القيمة التاريخية للمكان، وكيف أصبح شكلها اليوم، بفضل الله والإرادة السياسية وجهود المخلصين، حتى تحولت لبقعة تضم مجتمعًا حضاريًا على الطراز الإسلامى، به كل الخدمات، وتشعر وأنت داخل المنطقة كأنك تعيش التاريخ القديم الذى قرأنا عنه بكل جماله فى الوقت الحاضر.

تطوير منطقة المدابغ ليس الوحيد، فهناك مشروعات تطوير منطقة مسجد عمرو بن العاص والمناطق المحيطة ومجمع الأديان وغيره، ولا ننسى عشوائيات منطقة مثلث ماسبيرو، التى لم تتمكن أى من الحكومات المتعاقبة فترة حكم الرئيس الراحل حسنى مبارك من الاقتراب منها، والتى تحولت لأبراج تناطح السماء على النيل، وهناك أيضًا منطقة ميدان التحرير، التى شهدنا جميعنا كيف تحولت لشكلها الحالى، وشوارع منطقة التحرير بوسط البلد وميادينها.

ومن ناحية صلاح سالم، تظهر منطقة عرب اليسار أسفل قلعة محمد على، كشاهد أيضًا على كيف كان الوضع وكيف أصبح، ومنطقة مسجد الرفاعى ودرب اللبانة والمناطق المحيطة بمسجد الحسين، والورش التاريخية الخاصة بالحرف اليدوية، ولا ننسى عمليات تطوير حديقة الفسطاط، التى ستمثل الرئة الأكبر للقاهرة التاريخية.

تشييدها كان أولوية لاختناق المدينة القديمة بالزحام بعد أن ظلت حلمًا لعدة عقود

تعانى القاهرة القديمة منذ عشرات السنوات من الزحام والاختناقات المرورية، وبالتالى التلوث والعشوائيات، التى انتشرت على أطرافها وداخلها أحيانًا، ويدخلها على الأقل ٢ مليون مواطن يوميًا، يقضون مصالحهم فى الجهات الحكومية، ما يتسبب فى الزحام والاختناقات المرورية بشكل دائم، وكل الخبراء اتفقوا على ضرورة إخراج مقار الحكم وكل مجتمع المال والأعمال خارجها، حتى يمكن استعادة عبقها وتاريخها لضمان بقائها، فكل شبر فيها شاهد على تواريخ كثيرة ويجب الحفاظ عليه.

أى أن القاهرة، بكل تاريخها وجمالها، أصبحت غير مؤهلة للقيام بنشاطاتها المطلوب منها القيام بها، فلا يمكن إدخال التكنولوجيات الحديثة على المبانى التاريخية، التى تمثل أغلب الوزارات والمقار الحكومية، والوقت تأخر بالفعل على تحول الحكومة للعمل إلكترونيًا، مع أسباب أخرى كثيرة وشبيهة، تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك الاحتياج الملح والضرورى لإنشاء عاصمة إدارية جديدة، نواكب بها مفاهيم العصر الحديثة، والمستقبل.

الظروف الاقتصادية والسياسية والأمنية وقت اتخاذ القرار ببدء تنفيذ المشروع فى بدايات عام ٢٠١٥، تقول ظاهريًا إن الوقت غير مناسب، ومن الطبيعى على أى نظام سياسى أن يؤجل الأمر حتى تستقر الأحوال اقتصاديًا وسياسيًا وأمنيًا، غير أن متخذ القرار فى مصر خالف كل الظنون والتوقعات، وقرر الإسراع بشكل كبير فى تنفيذ المشروع الحلم، لمسابقة الزمن، واللحاق بركاب التقدم والحداثة، وهو تحد كبير واجه متخذ القرار، لكنه أصر عليه.

وواجه متخذ القرار تحديات كبيرة وكثيرة منذ اليوم الأول للإعلان عن المشروع، مرورًا بالظروف التى لم يكن يتوقعها أحد أبدًا- كورونا مثالًا ومن بعدها الحرب الروسية الأوكرانية وصولًا لأزمة حرب غزة التى تعانى منها المنطقة بالكامل- وتعرض البلاد لصدمات اقتصادية متتالية، وكلها تحديات لا يتصورها ولا تتحملها خطط ولا استراتيجيات.

وبفضل الله والقيادة السياسية، أصبحت لدى مصر عاصمة إدارية جديدة، انتهى تنفيذ المرحلة الأولى منها على مساحة ٤٠ ألف فدان، وهى توازى ضعف مدينة الشيخ زايد، وتقدر كثروة عقارية ورمز كبير للدولة المصرية فى جمهوريتها الجديدة.

وإن كان القرار قد اتُخذ بتأجيل تنفيذ العاصمة الإدارية فى نهاية ٢٠١٥ لكنا سنحتاج على الأقل ٤ أضعاف التكلفة حاليًا، مع صعوبة وعدم إمكانية توفير هذا الأمر، ما يعنى أن الإرادة السياسية سابقت الزمن وهزمته بالفعل فى قرارها بإنشاء المشروع، الذى كان حلمًا منذ نهاية سبعينيات القرن الماضى وحتى ٢٠١٥.

إنشاؤها تم فى موقع استراتيجى من خارج حسابات الموازنة وحققت فوائض مالية بعد عامين فقط

كثيرون يتهكمون على فكرة أن العاصمة الإدارية تم إنشاؤها بنظام التمويل الذاتى، ويعتبرون أن أى أموال دفعتها الدولة فى إنشاء المشروع هى أموال الدولة المصرية، وهو صحيح، غير أن التمويل جرى من خارج حسابات الموازنة العامة، من خلال هيئة اقتصادية تعرف بهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، نفذت دفعة قوية عند بداية المشروع، لإجراء عملية الترفيق الجيد، ومن ثم بدأ طرح الأراضى على المستثمرين.

وتمكنت الدولة- بعد إنفاق هيئة المجتمعات العمرانية نحو ١٠ مليارات جنيه فى بداية المشروع- من تغطية هذا الرقم مجددًا، بعد أول طرح لأراضى المشروع على مستثمرى القطاع الخاص، خلال عامين أو أكثر قليلًا، بعدها تحول المشروع لبؤرة جذب استثمارات كبرى، وتمكنت شركة العاصمة الإدارية من تحقيق فوائض مالية كبيرة، تسهم بشكل كبير فى دعم قوة الاقتصاد المصرى، ويعد هذا المشروع هو الأول من نوعه الذى تنجح فيه فكرة التنفيذ بنظام التمويل الذاتى حتى لا يعرض الاقتصاد للإرهاق.

وتُبنى العاصمة الإدارية على مساحة تتخطى ٢٠٠ ألف فدان تقريبًا، ويحدها من الشمال طريق «القاهرة- السويس» الصحراوى، ومدن الشروق وحدائق العاصمة وبدر، كما يحدها من الجنوب طريق «القاهرة- العين السخنة»، وعلى بُعد ٨٠ كم من الشرق يحدها مدينة السويس، ومن الغرب مدينة القاهرة الجديدة، وتأتى القاهرة على بُعد ٤٥ كم، ويقطعها الطريق الدائرى الإقليمى، الذى يربطها بكل محافظات مصر من جميع الاتجاهات.