رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

استهداف الأردن

المملكة الأردنية على صفيح ساخن، وبدا وضحًا أن هناك أطرافًا، داخلية وخارجية، تحاول استغلال العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، لتسخين الشارع، أو شحنه، ضد الملك والجيش والحكومة، فى محاولة، أو مؤامرة، قريبة الشبه بتلك التى شهدتها المملكة، منذ ٥٤ سنة، مع تغيير الأدوات. والمؤسف، المؤسف جدًا، أن تجد منسوبين أو محسوبين على المقاومة الفلسطينية، يشاركون الإسرائيليين فى استهداف المملكة الشقيقة، مدفوعين من قوى إقليمية، أو تقودهم حسابات خاطئة وقصيرة النظر.

موجات الهجوم، من أطراف بعينها، ضد عدد من الدول العربية، وضد مصر والأردن تحديدًا، ظلّت تتصاعد منذ ٧ أكتوبر الماضى، وصولًا إلى موجات الاحتجاجات، التى شهدها محيط السفارة الإسرائيلية فى عمّان، منتصف الأسبوع الماضى، والتى تصدرتها شعارات مؤيدة لحركة «حماس»، وأشعلتها تسجيلات لقياداتها «تطالب أهل الأردن بالتحرك»، من بينها ذلك التسجيل الصوتى، المنسوب إلى محمّد الضيف، القائد العسكرى لـ«حماس»، الذى يطالب فيه «أهلنا فى الأردن ولبنان، فى مصر والجزائر والمغرب العربى، فى باكستان وماليزيا وإندونيسيا»، بأن يزحفوا «الآن، وليس غدًا، نحو فلسطين»، وألا يتركوا «الحدود والأنظمة» تحرمهم «شرف الجهاد والمشاركة فى تحرير المسجد الأقصى»!

يمكنك، بسهولة، أن ترى أصابع إسرائيلية، أو بصمات دول بعينها. وتستطيع، بسهولة أكثر، أن تشم روائح كريهة فى مواقع إلكترونية وحسابات على شبكات التواصل، تابعة لـ«جماعة الإخوان»، داخل المملكة وخارجها. مع أن المملكة الأردنية لم تتوقف عن جهودها الدبلوماسية الضاغطة تجاه الوقف الفورى لإطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية. وبلسان وزير خارجيتها، أيمن الصفدى، رفعت سقف مطالبها إلى مجلس الأمن باتخاذ قرار ملزم تحت الفصل السابع، يجبر إسرائيل على وقف «جرائم الحرب المرتكبة فى غزة، وعلى إلغاء قرارها إغلاق المعابر أمام المساعدات الإنسانية».

هكذا، زايد محترفو المزايدة على المملكة، واستعملوا، أو جرّوا معهم، بعض المحسوبين على المقاومة الفلسطينية، الذين يقول التاريخ إن أمثال هؤلاء، كانوا قد حصلوا على امتيازات كثيرة فى المملكة، قبل «سبتمبر ١٩٧٠»، المعروف باسم «أيلول الأسود»، لكنهم فشلوا فى الحفاظ عليها، أو على وحدتهم، وانقسموا إلى منظمات وتنظيمات، وزعموا أن تحرير فلسطين يبدأ من عمّان، وحاولوا إسقاط نظام الملك حسين بن طلال، الذى اضطر إلى التخلى عن نصيحة، أو رجاء، الرئيس جمال عبدالناصر، خلال لقائهما فى قصر رأس التين بالإسكندرية، يوم ٢١ أغسطس ١٩٧٠: «أرجو أن تأخذهم بالصبر حتى لو غلطوا».

فى هذا السياق، كان لافتًا أن يتوجّه الرئيس عبدالفتاح السيسى، إلى العاصمة الأردنية عمان، الإثنين الماضى، قبل ساعات قليلة من أدائه اليمين الدستورية للولاية الرئاسية الجديدة، حتى وإنْ لم نجد جديدًا فى البيانات الرسمية الصادرة بشأن مباحثات الرئيس مع العاهل الأردنى الملك عبدالله الثانى، والتى كرّر فيها الزعيمان مطالبة المجتمع الدولى بالاضطلاع بدوره لضمان إنفاذ الكميات الكافية من المساعدات دون عراقيل لإغاثة المنكوبين فى كل مناطق القطاع، وشدّدا على رفض تهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم، والتمسك بحل الدولتين الذى يضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، ذات السيادة، على حدود ٤ يونيو ١٩٦٧، وعاصمتها القدس الشرقية، كأساس للتسوية العادلة والشاملة للقضية الفلسطينية.

أيضًا، أشاد الزعيمان، كالعادة، بالعلاقات التاريخية الوثيقة والمتميزة، التى تربط بين البلدين الشقيقين على جميع المستويات، وأكدا الحرص المتبادل على تطوير هذه العلاقات الأخوية، وتعزيز التعاون المشترك فى جميع المجالات، وتوافقا، طبعًا، على أهمية مواصلة التنسيق والتشاور تجاه تطورات القضايا الإقليمية والدولية، وعلى رأسها الأوضاع فى قطاع غزة. وجدّدا تأكيد ضرورة الوقف الفورى لإطلاق النار، فى ظل ما يتعرض له القطاع وسكانه من كارثة إنسانية تصل إلى حد المجاعة وتدمير سبل العيش، محذرين من العواقب الخطيرة لأى عملية عسكرية فى مدينة رفح الفلسطينية. 

.. وأخيرًا، نرى طبيعيًا ومنطقيًا أن تدعم الدولة المصرية، قيادة وشعبًا، كل القرارات، الإجراءات، أو الخطوات، التى اتخذتها، وستتخذها، المملكة الأردنية الشقيقة، للحفاظ على أمنها وسيادتها، ومواجهة كل القوى، الخارجية أو الداخلية، التى تحاول اختطاف الدولة، أو الضغط عليها، أو التأثير على قراراتها.