رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دبلوماسيون: مرافعة مصر أمام "العدل الدولية" وضعت إسرائيل محل اتهام وأدانت انتهاك حق الفلسطينيين فى تقرير المصير

مرافعة مصر أمام العدل
مرافعة مصر أمام العدل الدولية

أمام "جلسات الاستماع الكبرى"، ترافعت مصر بمحكمة العدل الدولية، مرافعة تاريخيّة، في محاولة لحشد الرأي العام العالمي لشجب وإدانة الانتهاكات التي تمارسها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني منذ نحو سبعة عقود من الزمن، ولتذكير العالم بأن تأمين سلامة المدنيين داخل فلسطين هو مسئولية دولة الاحتلال وأن حرمانهم من العيش على أرضهم هو جريمة حرب، ولا سيما لطرح سؤال على المجتمع الدولي: إلى متى سيظل شعب فلسطين يقتل ويغتصب حقوقه؟

مرافعة مصر أمام محكمة العدل الدولية 

وأثنى دبلوماسيون، اليوم الأربعاء، على مشاركة مصر في الرأي الاستشاري الذي طلبته الجمعية العامة للأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية حول السياسات والممارسات الاسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، معتبرين أنه حدث مهم في تاريخ الأمة العربية والإسلامية وانتصار للقضية الفلسطينية؛ إذ وضعت "حكومة تل أبيب" موضع مُساءلة ومحاسبة على جرائمها واختراقها الأعراف والقوانين الدولية والإنسانية في مشهد غير معتاد بالنسبة للدولة العبرية التي تحميها أكبر قوى بالعالم "الولايات المتحدة الأمريكية".

وأضاف الدبلوماسيون أن مصر من خلال شهادتها أمام "العدل الدولية" حول العواقب القانونية لاحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية منذ عام 1967، أعادت التأكيد على دورها التاريخيّ في مساندة القضية الفلسطينية ورفضها الممارسات الإسرائيلية، التي لا تأتي فقط امتدادًا لدعم القاهرة غير المحدود للقضية الفلسطينية على كل الأصعدة السياسية والدبلوماسية والقانونية، بل جاءت كذلك في ظل تحول الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني إلى خطر يهدد بشكل مباشر وغير مسبوق أمن مصر القومي بسبب مخطط تفريغ قطاع غزة من سكانه بدفعهم نحو الأراضي المصرية.

شهادة مصر أمام محكمة العدل 

وفي هذا الإطار، يقول الرئيس الأسبق لوفد مصر الدائم في الأمم المتحدة بچنيف، السفير الدكتور منير زهران، إن شهادة مصر أمام "العدل الدولية" تمثل أهمية قصوى في تلك القضية نظرًا لأن مصر هي الأقرب لفلسطين جغرافيًا وتاريخيًا، وكذا على المستوى الترابط الشعبي، فهي من حملت تلك القضية العادلة في كل المحافل الدولية وأدرجتها على رأس أولويات سياستها الخارجية.

وذكر مساعد وزير الخارجية الأسبق أن مصر عاشت مع شعب فلسطين كافة مراحل صراعه مع إسرائيل، منذ "قرار تقسيم فلسطين" عام 1947 وما أعقبه من حرب 1948، ثم نكبة 1967، وكذلك المذابح المرتكبة في حق الفلسطينيين والحروب والنزاعات المسلحة العدة التي اندلعت خلال تلك السنوات، وصولًا اليوم إلى حرب غزة الوحشية الجارية وما تشهده من محاولات لتصفية القضية نهائيًا عبر الإبادة والتهجير.

انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي

وتابع أنه بعد قيام إسرائيل بتدمير قطاع غزة ودفع سكان القطاع إلى النزوح بالمنطقة الجنوبية ثم الإعلان حاليًا عن الاستعداد لعملية كبرى لغزو مدينة رفح الفلسطينية المتاخمة للحدود المصرية، فيتحتم على مصر الدفاع عن أمنها القومي بكل الوسائل التي تراها مناسبة، مع إنقاذ القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى من التصفية بحشد الرأي العام العالمى نحو حق الشعب الفلسطينى في أرضه التاريخية وفي تقرير مصيره وإعلان دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وفقًا لمقررات الشرعية الدولية، خاصة فضح كل الممارسات الإسرائيلية على مدار نحو ٧٧ عامًا من الفصل العنصري.

من جانبه، أكد ممثل مصر السابق في لجنة الأمم المتحدة للقانون الدولي، السفير الدكتور حسين حسونة، ‏أهمية مرافعة مصر أمام "العدل الدولية"، للتذكير بأنه قد آن الأوان أن يواجه المجتمع الدولي التصعيد الخطير في الأرض الفلسطينية المحتلة نتيجة سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية، وأن يتدخل بحزم لفرض سيادة القانون وإيقاف كل الإجراءات الإسرائيلية الأحادية غير الشرعية.

قانون الإنسان الدولي

ونوه مساعد وزير الخارجية الأسبق إلى أن العالم يتطلع في أن تجيب المحكمة عن الأسئلة المطروحة أمامها بالتأكيد على أن إسرائيل قد انتهكت حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وأن مواصلة احتلالها وممارستها الخاصة بضم الأراضي والاستيطان تعتبر خرقًا لمبادئ القانون الإنساني الدولي ومبدأ عدم جواز اكتساب الأراضي بالقوة، وأن إجراءاتها الساعية لتغيير طبيعة ووضع مدينة القدس تعد باطلة، وأن سياساتها بشأن التفرق بين الفلسطينيين والمستوطنين الإسرائيليين تعد خرقًا ‏ لمعاهدة القضاء على التمييز العنصري.

وأردف أنه وبالتالي تلتزم إسرائيل بإنهاء احتلالها وممارستها غير الشرعية، وتعويض الشعب الفلسطيني جراء ما أصابه من ضرر مادي ومعنوي، كما تلتزم كل الدول والمنظمات الدولية بعدم التعاون مع إسرائيل نظرًا لمواصلة ممارساتها غير الشرعية.

وأعرب السفير حسونة عن أمله في صدور رأي استشاري من المحكمة يؤكد عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي وآثاره، استنادًا إلى قواعد الشرعية الدولية، مع توصية الجمعية العامة باتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان التزام إسرائيل بهذا الرأي الاستشاري وكل قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

وشدد على ثقته في أن الحجية القانونية والأدبية لهذا الرأي الصادر من أعلى سلطة قضائية دولية سوف تؤثر في مواقف الدول خاصة الغربية التي لا تزال تساند "حكومة تل أبيب" سياسيًا، منبهًا بأن من شأن رأي المحكمة مساندة الموقف الفلسطيني في جهود تسوية تسوية النزاع ودعم حق الفلسطينيين في تقرير المصير وإنشاء دولتهم المستقلة، فضلًا عن حقهم في الانضمام إلى المنظمات الدولية والمعاهدات متعددة الأطراف.

واختتم السفير حسين حسونة بالتأكيد على أن محاسبة إسرائيل دوليًا وكافة تلك النتائج تمثل بلا شك تطورًا هامًا في كفاح الشعب الفلسطيني من أجل الحصول على حقوقه المشروعة.

الجمعية العامة للأمم المتحدة

بدوره، أوضح مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير الدكتور عادل السالوسي، أن مرافعة مصر أمام محكمة العدل الدولية جاءت في إطار المشاركة ضمن شهادات ٥٢ دولة أعضاء بالأمم المتحدة، وأيضًا الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، للانضمام إلى الرأي الاستشاري الذي طلبته الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر ٢٠٢٢ من "العدل الدولية" حول الممارسات والسياسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ ٥ يونيو ١٩٦٧.

وشدد على أن مشاركة مصر في المرافعة أمام هيئة المحكمة هي أمر ضروري وهام نظرًا لعوامل التاريخ والجغرافيا والحدود المشتركة مع فلسطين، ولما تمثله هذة المنطقة من أهمية سياسية واستراتيجية للمجال الحيوي والطبيعي للسياسة الخارجية المصرية عبر التاريخ.

مرافعة وفد مصر 

ولفت إلى أن مرافعة وفد مصر أمام هيئة المحكمة جاءت بعد أن تقدمت سلفًا بمذكرة توضيحية منذ أيام تناولت الأبعاد القانونية للممارسات الإسرائيلية غير المشروعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عن طريق بناء المستوطنات غير الشرعية طبقًا لأحكام القانون الدولي العام والإنساني وقوانين حقوق الإنسان ومبادئ ميثاق منظمة الأمم المتحدة، في إشارة إلى عدم شرعية الاحتلال منذ عام ١٩٦٧.

وأبرز تأكيد مصر على حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وفقًا للشرعية الدولية المتمثلة في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم ١٨١ في ٢٩ نوفمبر ١٩٤٧ بضرورة إقامة دولة فلسطينية، وأيضا قرار مجلس الأمن رقم ٢٤٢ في ١٩٦٧، والقرار رقم ٣٣٨ في ١٩٧٣ في شأن عدم شرعية الاحتلال او ضم الأراضي بالقوة المسلحة.

ونوه إلى أن مذكرة مصر جددت التأكيد على رفض سياسات الاضطهاد والتمييز العنصري، وأعمال التهجير القسري والاستيلاء على الأراضي والتنكيل والعقاب الجماعي وملاحقة الفلسطينين بصورة شبه يومية في مدن الضفة الغربية والقدس الشريف وبيت لحم وحتى قطاع غزة عن طريق سياسات القتل وترويع السكان والتضييق عليهم، فضلًا عن جرائم الإبادة لأحياء سكنية بالكامل والتدمير الممنهج للبنية التحتية في المدن الفلسطينية المحتلة، وحرمان السكان من أبسط مظاهر الحياة الإنسانية، متجاهلة الإلتزامات القانونية والعرفية التي تقع على عاتق دولة الاحتلال منذ العام ١٩٦٧ التي تقضي بضرورة حماية المدنيين وسكان الأقاليم المحتلة وفقًا لقواعد القانون الدولي الإنساني، واتفاقية جنيف الرابعة لعام ١٩٤٩ الخاصة بحماية المدنيين في أوقات النزاعات المسلحة.

المذكرة المصرية 

وقال إن المذكرة المصرية سلطت الضوء أيضًا على الأعمال والممارسات غير شرعية التي تقوم بها إسرائيل كدولة احتلال من الدمار وترويع المدنيين والضغط عليهم في كل المدن الفلسطينية بهدف خروجهم طوعيًا من أراضيهم ومنازلهم، وتغيير البيئة الجغرافية والديموغرافية وفرض سياسة الأمر الواقع على الأراضي المحتلة، علاوة على ممارسات وسياسات الاضطهاد والتمييز العنصري الذي تمارسه السلطات الإسرائيلية في انتهاك صارخ لقواعد وأحكام القانون الدولي العام والإنساني واتفاقيات حقوق الإنسان.

ونوه السفير السالوسي بأن مصر طالبت في مذكرتها ومرافعتها الشفهية امام هيئة المحكمة بضرورة التأكيد على مسئولية دولة الاحتلال منذ العام ١٩٦٧ عن كل الأفعال غير المشروعة دوليًا مع المطالبة بانسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية والقدس الشرقية وبيت لحم وغزة، وتعويض الشعب الفلسطيني عن الأضرار التي لحقت به نتيجة تلك الممارسات والسياسات العقابية غير الشرعية أو الإنسانية التي امتدت لعشرات السنوات ضد حقوق الشعب الفلسطيني، بجانب مطالبة كل دول العالم والمنظمات الدولية بعدم الاعتراف بأي أثر قانوني ينتج عن سياسات ضم الأراضي بطرق غير قانونية، مع اضطلاع المنظمات الدولية بالمسئولية في هذا الشأن.

وذكر بأن مصر هي إحدى أهم الدول المعنية بالقضية الفلسطينية منذ "وعد بلفور" في ٢ نوفمبر ١٩١٧، كما أنها أكثر الدول التي شاركت في حروب بالقرن العشرين مرتبطة بالقضية الفلسطينية (١٩٤٨، ١٩٥٦، ١٩٦٧، ١٩٧٣)، وتحملت بسبب هذا الصراع أضرارًا وأعباءً اقتصادية ومالية ومعنوية وسياسية.

واختتم مساعد وزير الخارجية الأسبق بأن الآراء الاستشارية التي تصدر عن محكمة العدل الدولية تحمل في مضمونها سلطة أخلاقية وإنسانية وقانونية وأدبية، باعتبارها صادرة عن أعلى هيئة قضائية وقانونية دولية، إذ تعد أحد الأجهزة الستة الرئيسية لمنظمة الأمم المتحدة متذ العام ١٩٤٥ التي تدخل في كيانها الدول أعضاء الأمم المتحدة تلقائيا، الأمر الذي يجعل هذه الأحكام سواء كانت ملزمة أو غير ملزمة التنفيذ، جزءًا من أعراف القانون الدولي العام والإنساني.